responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتاوى السبكي نویسنده : السبكي، تقي الدين    جلد : 1  صفحه : 57
فَالْزَمْ عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اُدْعُ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَهَذَا الْحَدِيثُ تَذْكُرُهُ الصُّوفِيَّةُ كَثِيرًا وَهُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ مِنْ جِهَةِ يُوسُفَ بْنِ عَطِيَّةَ.
وَهُوَ شَاهِدٌ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا جَوَازُ إطْلَاقِ " أَنَا مُؤْمِنٌ " مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ. وَالثَّانِي الْإِشَارَةُ إلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمَعْرِفَةُ. وَالْمَعْرِفَةُ يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهَا تَفَاوُتًا كَثِيرًا. فَمَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَعْرِفَةُ وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَصِفَاتِهِ أَمَّا ذَاتُهُ فَغَيْرُ مَعْلُومٍ لِلْبَشَرِ؛ وَوُجُودُهُ مَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَوَحْدَانِيُّتُهُ مَعْلُومَةٌ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَصِفَاتُهُ يَتَفَاوَتُ الْمُؤْمِنُونَ فِي مَعْرِفَتِهَا. وَأَعْلَى الْمَعَارِفِ لَا نِهَايَةَ لَهَا، فَلَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَعْلَى الْخَلْقِ مَعْرِفَةً النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ. وَأَدْنَى الْمَرَاتِبِ الْوَاجِبُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي النَّجَاةِ مِنْ النَّارِ. وَفِي عِصْمَةِ الدَّمِ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَسَائِطُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا وَاجِبٌ، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي اسْمِ الْإِيمَانِ، لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِهَا وَبِالْإِخْلَالِ بِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ بِتَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، فَقَدْ يَخْرُجُ مِنْ الْإِيمَانِ بِهِ وَقَدْ لَا يَخْرُجُ. وَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ مَزِلَّةُ قَدَمِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالسَّالِكِينَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِ، وَيَقِفُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ خَوْفِهِ، وَأَحْوَالُ الْقُلُوبِ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ جِدًّا وَالْمَعَارِفُ الْإِلَهِيَّةُ الْمُفَاضَةُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَلَكُوتِ الْأَعْلَى وَاسِعَةٌ جِدًّا.
فَالْخَائِفُ مَا مِنْ مَقَامٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ إلَّا وَيَخَافُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَلَى خَطَرٍ، وَيَنْخَلِعُ قَلْبُهُ مِنْ الْهَيْبَةِ فَيَفْزَعُ إلَى الْمَشِيئَةِ وَيَقُولُ حَسْبِي إنْ كُنْت أَدَّيْت الْوَاجِبَ، وَسِوَاهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَقَامَهُ مَقَامَ الْبَسْطِ وَانْشِرَاحَ الصَّدْرِ بِالْيَقِينِ فَيُطْلِقُ. وَالْآخَرُ غَافِلٌ عَنْ الْحَالَيْنِ اكْتَفَى بِظَاهِرِ الْعِلْمِ فَيُكْتَفَى مِنْهُ بِالْإِطْلَاقِ أَيْضًا وَعَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ يُحْمَلُ اخْتِلَافُ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ؛ وَكُلٌّ قَصَدَ الْخَيْرَ وَتَكَلَّمَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُكَفِّرُ بَعْضًا، بَلْ كُلٌّ تَكَلَّمَ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ وَكُلُّ إنَاءٍ بِاَلَّذِي فِيهِ يَرْشَحُ. وَمَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِوُجُوبِ الِاسْتِثْنَاءِ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ اسْتِحْضَارِ تِلْكَ الْأُمُورِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْجَزْمِ وَمَنْ مَنَعَهُ غَلَبَ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْجَزْمِ بِالتَّصْدِيقِ

نام کتاب : فتاوى السبكي نویسنده : السبكي، تقي الدين    جلد : 1  صفحه : 57
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست