responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 227
أو لمتعنت تعنتا أو لسائل مطلبا فمن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون وعند نفاة الحكم أنه يجوز عليه ضد ذلك الحكم من كل وجه وأنه لا فرق بينه وبين ضده في نفس الأمر إلا لمجرد التحكم والمشيئة فلوا اجتمعت حكمة جميع الحكماء من أول الدهر إلى آخره ثم قيست إلى حكمة هذه الشريعة الكاملة الحكيمة الفاضلة لكانت كقطرة من بحر وإنما نعني بذلك الشريعة التي أنزلها الله على رسوله وشرعها للأمة ودعاهم إليها لا الشريعة المبدلة ولا المؤولة ولا ما غلط فيه الغالطون وتأوله المتأولون فإن هذين النوعين قد يشتملان على فساد وشر بل الشر والفساد الواقع بين الأمة من هاتين الشريعتين اللتين نسبتا إلى الشريعة المنزلة من عند الله عمدا أو خطأ وإلا فالشريعة على وجهها خير محض ومصلحة من كل وجه ورحمة وحكمة ولطف بالمكلفين وقيام مصالحهم بها فوق قيام مصالح أبدانهم بالطعام والشراب فهي مكملة للفطر والعقول مرشدة إلى ما يحبه الله ويرضاه ناهية عما يبغضه ويسخطه مستعملة لكل قوة وعضو حركة في كماله الذي لا كمال له سواه آمرة بمكارم الأخلاق ومعاليها ناهية عن دنيئها وسفسافها واختصار ذلك أنه شرع استعمال كل قوة وكل عضو وكل حركة في كمالها ولا سبيل إلى معرفة كمالها على الحقيقة إلا بالوحي فكانت الشرائع ضرورية في مصالح الخلق وضرورتها له فوق كل ضرورة تقدر فهي أسباب موصلة إلى سعادة الدارين ورأس الأسباب الموصلة إلى حفظ صحة البدن وقوته واستفراغ أخلاطه ومن لم يتصور الشريعة على هذه الصورة فهو من أبعد الناس عنها وقد جعل الحكيم العليم لكل قوة من القوى ولكل حاسة من الحواس ولكل عضو من الأعضاء كمالا حسيا وكمالا معنويا وفقد كماله المعنوي شر من فقد كماله الحسي فكماله المعنوي بمنزلة الروح والحسي بمنزلة الجسم فأعطاه كماله الحسي خلقا وقدرا وأعطاه كماله المعنوي شرعا وأمرا فبلغ بذلك غاية السعادة والانتفاع بنفسه فلم يدع للإحسان إليه والاعتناء بمصالحه وإرشاده إليها وإعانته على تحصيلها إفراحا يفرحه ولا شفاء يطلبه بل أعطاه من ذلك ما لم يصل إليه إفراحه ولا تدرك معرفته ويكفي العاقل البصير الحي القلب فكرة في فرع واحد من فروع الأمر والنهي وهو الصلاة وما اشتملت عليه من الحكم الباهرة والمصالح الباطنة والظاهرة والمنافع المتصلة بالقلب والروح والبدن والقوى التي لو اجتمع حكماء العالم قاطبة واستفرغوا قواهم وأذهانهم لما أحاطوا بتفاصيل حكمها وأسرارها وغاياتها المحمودة بل انقطعوا كلهم دون أسرار الفاتحة وما فيها من المعارف الإلهية والحكم الربانية والعلوم النافعة والتوحيد التام والثناء على الله بأصول أسمائه وصفاته وذكر أقسام الخلقة باعتبار غاياتهم ووسائلهم وما في مقدماتها وشروطها من الحكم العجيبة من تطهير الأعضاء والثياب والمكان وأخذ الزينة واستقبال بيته الذي جعله إماما للناس وتفريغ القلب وإخلاص النية وافتتاحها بكلمة جامعة لمعاني العبودية دالة على أصول الثناء وفروعه مخرجة من القلب الالتفات إلى ما سواه والإقبال على غيره فيقدم بقلبه الوقوف بين يدي عظيم جليل أكبر من كل شيء وأجل من كل شيء وأعظم من كل شيء بلا سبب في كبريائه السماوات وما أظلت والأرض وما أقلت والعوالم كلها عنت له الوجوه وخضعت له الرقاب وذلت له الجبابرة قاهر عباده ناظر إليهم عالم بما تكن صدورهم يسمع كلامهم ويرى مكانهم لا يخفى عليه خافية من أمرهم ثم أخذ في تسبيحه وحمده وذكر تبارك اسمه وتعالى جده وتفرده بالإلهية ثم أخذ في الثناء عليه بأفضل ما يثنى عليه به من حمده وذكر ربوبيته للعالم وإحسانه إليهم

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 227
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست