responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 231
عقلك وفهمك ولو تتبعنا تفصيل ذلك لجاء عدة أسفار فيكتفي منه بأدنى بينة والله المستعان، الوجه الثالث والعشرون أن هذه الجمادات والحيوانات المختلفة الأشكال والمقادير والصفات والمنافع والقوى والأغذية والنباتات التي هي كذلك فيها من الحكم والمنافع ما قد أكثرت الأمم في وصفه وتجربته على ممر الدهور ومع ذلك فلم يصلوا منه إلا إلى أيسر شيء وأقله بل لو اتفق جميع الأمم لم يحيطوا علما بجميع ما أودع واحد من ذلك النوع من الحكم والمصالح هذا إلى ما في ضمن ذلك من الاعتبار والدلالة الظاهرة على وجود الخالق ومشيئته واختياره وعلمه وقدرته وحكمته فإن المادة الواحدة لا تحتمل بنفسها هذه الصورة الغريبة والأشكال المتنوعة والمنافع والصفات ولو تركبت مع غيرها فليس حدوث هذه الأنواع والصور بنفس التركيب أيضا ولا هو مفيض له فحصول هذا التنوع والتفاوت والاختلاف في الحيوان والنبات من أعظم آيات الرب تعالى ودلائل ربوبيته وقدرته وحكمته وعلمه وأنه فعال لما يريد اختيارا ومشيئة فتنويع مخلوقاته وحدوثها شيئا بعد شئ من أظهر الدلالات وتأمل كيف أرشد القرآن إلى ذلك في غير موضع كقوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ} وقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وقول تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فتأمل كيف نبه سبحانه باختلاف الحيوانات في المشي مع اشتراكها في المادة على الاختلاف فيما وراء ذلك من أعضائها وأشكالها وقواها وأفعالها وأغذيتها ومساكنها فنبه على الاشتراك والاختلاف فيشير إلى يسير منه فالطير كلها تشترك في الريش والجناح وتتفاوت فيما وراء ذلك أعظم تفاوت واشتراك ذوات الحوافر في الحافر كالفرس والحمار والبغل وتفاوتها في ما وراء ذلك واشتراك ذوات الأظلاف في الظلف وتفاوتها في غير ذلك واشتراك ذوات القرون فيها وتفاوتها في الخلق والمنافع والأشكال واشتراك حيوانات الماء في كونها سابحة تأوي فيها وتتكون فيها وتفاوتها أعظم تفاوت عجز البشر إلى الآن عن حصره واشتراك الوحوش في البعد عن الناس والتفاوت عنهم وعن مساكنهم وتفاوتها في صفاتها وأشكالها وطبائعها وأفعالها أعظم تفاوت يعجز البشر عن حصره واشتراك الماشي منها على بطنه في ذلك وتفاوت نوعه واشتراك الماشي على رجلين في ذلك وتفاوت نوعه أعظم تفاوت وكل من هذه الأنواع له علم وإدراك وتحيل على جلب مصالحه ودفع مضاره يعجز كثير منها نوع الإنسان فمن أعظم الحكم الدلالة الظاهرة على معرفة الخالق الواحد المستولي بقوته وقدرته وحكمته على ذلك كله بحيث جاءت كلها مطيعة منقادة منساقة إلى ما خلقها له على وفق مشيئته وحكمته وذلك أدل شيء على قوته

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 231
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست