responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 232
القاهرة وحكمته البالغة وعلمه الشامل فيعلم إحاطة قدرة واحدة وعلم واحد وحكمة واحدة أعني بالنوع من قادر واحد حكيم واحد بجميع هذه الأنواع وأضعافها مما لا تعلمه العقول البشرية كما قال: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} وقال: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ} فيجمع غايات فعله وحكمة خلقه وأمره إلى غاية واحدة هي منتهى الغايات وهي إلهية الحق التي كل إلهية سواها فهي باطل ومحال فهي غاية الغايات ثم ينزل منها إلى غايات أخر هي وسائل بالنسبة إليها وغايات بالنسبة إلى ما دونها وأن إلى ربك المنتهى فليس وراءه معلوم ولا مطلوب ولا مذكور إلا العدم المحض وليس في الوجود إلا الله ومفعولاته وهي آثار أفعاله وأفعاله آثار صفاته وصفاته قائمة به من لوازم ذاته والمقصود إن الغايات المطلوبة العلم بإحاطة علم واحد من عالم واحد وفعل واحد من فاعل واحد وقدرة واحدة من قادر واحد وحكمة واحدة من حكيم واحد بجميع ما فيه على اختلاف ما فيه واجتمعت غايات فعله وأمره إلى غاية واحدة وذلك من أظهر أدلة توحيد الإلهية كما ابتدأت كلها من خالق واحد وقادر واحد ورب واحد ودل على الأمرين أعني توحيد الربوبية والإلهية النظام الواحد والحكمة الجامعة للأنواع المختلفة مع ضدها وتعذرها ودل افتقار بعضها إلى بعض وتشبك بعضها ببعض ومعاونة بعضها ببعض وارتباطه به على أنها صنع فاعل واحد ورب واحد فلو كان معه آلهة وأرباب غيره كما لا ترضى ملوك الدنيا أن يحتاج مملوك احدهم إلى مملوك غيره مثله لما في ذلك من النقص والعيب المنافي لكمال الاقتدار والغناء ودل انتظامها في الوجود ووقوعها في ثباتها واختلافها على أكمل الوجوه وأحسنها على انتهائها إلى غاية واحدة ومطلوب واحد هو إلهها الحق ومعبودها الأعلى الذي لا إله لها غيره ولا معبود لها سواه فتأمل كيف دل اختلاف الموجودات وثباتها واجتماعها فيما اجتمعت فيه وافتراقها فيما افترقت على إله واحد ورب واحد ودلت على صفات كماله ونعوت جلاله فالموجودات بأسرها كعسكر واحد له ملك واحد وسلطان واحد يحفظ بعضه ببعض وينظم مصالح بعضه ببعض ويسد خلل بعضه ببعض فيمد هذا بهذا ويقوي هذا بهذا وينقص من هذا فيزيده في الآخر يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويبيد هذا فينشي مكانه من جنسه ما يقوم مقامه ويسد مسده فيشهد حدوث الثاني أن الذي أحدثه وأوجده هو الذي أحدث الأول لا غيره وأن حكمته لم تتغير وعلمه لم ينقص وقدرته لم تضعف وأنه لا يتغير بتغيير ما يغير منها ولا يضمحل باضمحلاله ولا يتلاشى بتلاشيه بل هو الحي القيوم العزيز الحكيم هذا إلى ما في لوازم مكبرها وانتظام بعضها ببعض وما يصدر عنها من الأفعال والآثار من حكم وأفعال أخرى وغايات أخر حكمها حكم موادها وحواملها كما نشاهده في أشخاصها وأعيانها مثال ذلك في أحدوثة واحدة إنك ترى المعدة تشاق الغذاء وتجتذبه إليها فانظر لوازم ذلك قبل تناوله ولوازمه بعد تناوله وما يترتب على تلك اللوازم من عمارة الدنيا فإذا جذبته إليها أنضجته وطبخته كما تنضج القدر ما فيها فتنضجه الإنضاج الذي تعده لتغذي أجزاء البدن وقواه وأرواحه به وهي إذا أنضجته لأجل نصيبها الذي ينالها منه فهو قليل من كثير بالنسبة إلى انتفاع غيرها به فيدفع ما فضل عن غذائها عنها إلى من هو شديد الحاجة إليه على قدر حاجته من غير أن يقصد ذلك أو يشعر به ولكن قد قصده وأحكمه من هو بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير يدبره بحكمته ولطفه وساقه في المجاري التي لا ينفذ

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 232
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست