responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 233
فيها الإبر لدقة مسالكها حتى أوصله إلى المحتاج إليه الذي لا صلاح له إلا بوصوله إليه وكانت طبيعة الكبد ومزاجها في ذلك تلي طبيعة المعدة وفعلها يلي فعلها وكذلك الأمعاء وباقي الأعضاء كالكبد للقلب في أعداد الغذاء والقلب للرئة والرئة للقلب في أعداد الهواء وإصلاحه فالأعضاء الموجودة في الشخص إذا تأملتها وتأملت أفعالها ومنافعها وما تضمنه كل واحد منها من حكمة اختصت به كشكله ووصفه ومزاجه ووضعه من الشخص بذلك الموضع المعين علمت علما يقينا أن ذلك صادر عن خالق واحد ومدبر واحد وحكيم واحد فانتقل من هذا إلى أشخاص العالم شخصا شخصا من النوع الإنساني تجد الحكمة الواحدة الظاهرة في تلك الأفراد الكثيرة قد نفعت بعضهم بعض وأعانت بعضهم ببعض حراثا لزارع وزراعا لحاصد وحائكا لخياط وخياطا لنجار ونجارا لبناء فهذا يعين هذا بيده وهذا برجله وهذا يعينه بعينه وهذا بإذنه وهذا بلسانه وهذا بماله وإذ لا يقدر أحدهم على جميع مصالحه ولا يقوم بحاجاته ولا توجد في كل واحد منهم جميع خواص نوعه فهم بأشخاصهم الكثير كإنسان واحد يقوم بعضه بمصالح بعض قد كمل خواص الإنسانية في صفاته وأفعاله وصنائعه وما يراد منه فإن الواحد منهم لا يفي بأن يجمع جميع الفضائل العلمية والعملية والقوة والبقاء فجعل ذلك في النوع الإنساني بجملته والله سبحانه وقد فرق كمالات النوع في أشخاصه وجعل لكل شخص منها ما هو مستعد قابل له بحيث لو قيل أكثر من ذلك لأعطاه فإنه جواد لذاته قد فاض جوده وخيره على العالم كله وفضل عنه أضعاف ما فاض عليه فهو يفيضه على تعاقب الآنات أبدا وكذلك يفضل في الجنة فضل عن أهلها فينشئ لها خلقا يسكنهم فضلها وإنما يتخصص فضله بحسب استعداد العوامل والمعدات وذلك بمشيئته وحكمته فهو الذي أوجدها وهو الذي أعدها وهو الذي أمدها ولما كان جوده وفضله أوسع من حاجة الخلق لم يكن بد من بقاء كثير منه مبذولا في الوجود مهملا وهذا كضوء الشمس مثلا فإن مصالح الحيوان لا تتم إلا به وهي تشرق على مواضع فضلت عن حوائج بني آدم والحيوان وكذلك المطر والنبات وسائر النعم ومع ذلك فلم يعطل وجودها عن حكم ومصالح وعبر ودلالات وعطاء الرب ونعمه أوسع من حوائج خلقه فلا بد أن يبقى في المياه والأقوات والنبات وغير ذلك أجزاء مهملة ولا يقال ما الحكمة في خلقها فإن هذا سؤال جاهل ظالم فإن الحكمة في خلق الأرض وما عليها ظاهرة لكل بصير والمعمور بعضها لا كلها والرب تعالى واسع الجود دائمه فجوده وخيره عام دائم فلا يكون إلا كذلك فإن ذلك من لوازم علمه وقدرته وحكمته ولعلمه وقدرته وحكمته العموم والشمول والكمال المطلق بكل اعتبار فيعلم من استقراء العالم وأحواله انتهاؤه إلى عالم واحد وقادر واحد وحكيم واحد أتقن نظامه أحسن الإتقان وأوجده على أتم الوجود وهو سبحانه ناظم أفعال الفاعلين مع كثرتها ورابط بعضها ببعض ومعين بعضها ببعض وجاعل بعضها سببا لبعض وغاية لبعض وهذا من أدل الدليل على انه خالق واحد ورب واحد وقادر واحد دل على قدرته كثرة أفعاله وتنوعها في الوقت الواحد وتعاقبها على تتالي الآنات وتعين تصرفاته في مخلوقاته على كثرتها ودل على علمه وحكمته كون كل شيء كبير وصغير ودقيق وجليل داخلا في النظام الحكمي ليس منها شيء حتى مسام الشعر في الجلد ومراشح اللعاب في الفم ومجاري الشعب الدقيقة من العروق في أصغر الحيوانات التي تعجز عنها أبصارنا ولا تنالها قدرتنا وهذا فيما دق لصغره وفيما جل لعظمه كالرياح الحاملة للسحب إلى الأرض

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 233
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست