responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 234
الجرز التي لا نبات بها فيمطرها عليها فيخرج بها نباتا ويحيي بها حيوانا ويجعل فيها جزأين من الطعام والشراب والأقوات والأدوية دع ما فوق ذلك من تسخير الشمس والقمر والنجوم واختلاف مطالعها ومغاربها لإقامة دولة الليل والنهار وفصول العام التي بها نظام مصالح من عليها فإذا تأملت العالم وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع عباده فالسماء سقفه والأرض بساطه والنجوم زينته والشمس سراجه ومصالح سكانه والليل سكنهم والنهار معاشهم والمطر سقياهم والنبات غذاؤهم ودواهم وفاكهتهم والحيوان خدمهم ومنه قوتهم ولباسهم والجواهر كنوزهم وذخائرهم كل شيء منها لما يصلح له فضروب النبات لجميع حاجاتهم وصنوف الحيوانات معدة لجميع مصالحهم وذلك أدل دليل على وحدانية خالقه وقدرته فلم يكن لون السماء أزرق اتفاقا بل لحكمة باهرة فإن هذا اللون أشد الألوان موافقة للبصر حتى أن في وصف الأطباء لمن أصابه ما أضر ببصره أو كلم بصره إدمان النظر إلى الخضرة وما قرب منها إلى السواد فجعل أحكم الحاكمين أديم السماء بهذا اللون ليمسك الأبصار الراجعة فلا ينكأ فيها فهذا الذي أدركه الناس بعد الفكر والتجربة قد وجد مفروغا منه في الخلقة ولم يكن طلوع الشمس وغروبها على هذا النظام لغير علة ولا حكمة مطلوبة فكم من حكمة ومصلحة في ذلك من إقامة الليل والسكن فيه والنهار والمعاش فيه فلو جعل الله عليهم الليل سرمدا لتعطلت مصالحهم وأكثر معايشهم والحكمة في طلوعها أظهر من أن تنكر ولكن تأمل الحكمة في غروبها إذ لولا ذلك لم يكن للناس هدوء ولا قرار ولا راحة وكان الكد الدائم بتكافؤ أبدانهم وتسرع فسادها وكان ما على الأرض يحرق بدوام شروق الشمس من حيوان ونبات فصار النور والظلمة على تضادهما متعاونين متظاهرين على ما فيه صلاح العالم وقوامه ونظامه وكذلك الحكمة في ارتفاع الشمس وانحطاطها لإقامة هذه الأزمنة الأربعة وما في ذلك من الحكمة فإن في الشتاء تفور الحرارة في الشجر والنبات فيتولد من ذلك مواد الثمار وتكيف الهواء فتنشأ منه السحاب ويحدث المطر الذي به حياة الأرض والحيوان وتشتد أفعال الحيوان وتقوى الأفعال الطبيعية وفي الربيع تتحرك الطبائع وتظهر المواد الكامنة في الشتاء وفي الصيف يسخن الهواء فتنضج الثمار ويتحلل فضول الأبدان ويجف وجه الأرض فيتهيأ للبناء وغيره وفي الخريف يصفو الهواء ويعتدل فيذهب بسورة حر الصيف وسمومه إلى أضعاف أضعاف ذلك من الحكم وكذلك الحكمة في تنقل الشمس فإنها لو كانت واقفة في موضع واحد لفاتت مصالح العالم ولما وصل شعاعها إلى كثير من الجهات لأن الجبال والجدران يحجبانها عنها فاقتضت الحكمة الباهرة أن جعلت تطلع أول النهار من المشرق وتشرق على ما قابلها من وجه الغرب ثم لا تزال تغشى وجها بعد وجه حتى تنتهي إلى الغرب فتشرق على ما استتر عنها أول النهار فتأخذ جميع الجهات منها قسطا من النفع وكذلك الحكمة الباهرة في انتهاء مقدار الليل والنهار إلى هذا الحد فلو زاد مقدار أحدهما زيادة عظيمة لتعطلت المصالح والمنافع وفسد النظام وكذلك الحكمة في ابتداء القمر دقيقا ثم أخذه في الزيادة حتى يكمل ثم يأخذ في النقصان حتى يعود إلى حالته الأولى فكم في ذلك من حكمة ومصلحة ومنفعة للخلق فإن بذلك يعرفون الشهور والسنين والآجال وأشهر الحج والتاريخ ومقادير الأعمار ومدد الإجارات وغيرها وهذا وإن كان يحصل بالشمس إلا أن معرفته بالقمر وزيادته ونقصانه أمر يشترك فيه الناس كلهم وكذلك الحكمة في

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 234
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست