responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 236
منشأ الحكم والمصالح فلا يبطل السبب بإثبات الحكمة ولا الحكمة بالسبب ولا السبب والحكمة بالمشيئة فيكون من الذين يبخس حظهم من العقل والسمع وكذلك الحكمة في خلق النار على ما هي عليه كامنة في حاملها فإنها لو كانت ظاهرة كالهواء والماء والتراب لأحرقت العالم وما فيه ولم يكن بد من ظهورها في الأحايين للحاجة إليها فجعلت مخزونة في الأجسام توري عند الحاجة إليها فتمسك بالمادة والحطب ما احتيج إلى بقائها ثم تخبوا إذ استغنى عنها فجعلت على خلقه وتقدير وتدبير حصل به الاستمتاع بها والانتفاع مع السلامة من ضررها ثم في النار خلة أخرى وهي أنها مما خص به الإنسان دون سائر الحيوان فإن الحيوانات لا تستعمل النار ولا تستمتع بها ولما اقتضت الحكمة الباهرة ذلك اغتنت الحيوانات عنها في لباسها وأقواتها فأعطيت من الشعور والأوبار ما يغنيها عنها وجعلت أغذيتها بالمفردات التي لا تحتاج إلى طبخ وخبز ولما كانت الحاجة إليها شديدة جعل من الآلات والأسباب ما يتمكن به من إثارتها إذا شاء ومن إبطالها ومن حكمها هذه المصابيح التي يوقدها الناس فيتمكنون بها من كثير حاجاتهم ولولاها لكان نصف أعمارهم بمنزلة أصحاب القبور وأما منافعها في إنضاج الأغذية والأدوية والدفء فلا يخفى وقد نبه تعالى على ذلك بقوله: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ} أي تذكر بنار الآخرة فيحترز منها ويستمتع بها المقوون وهم النازلون بالفيفاء وهي الأرض الخالية وخص هؤلاء بالذكر لشدة حاجتهم إليها في خبزهم وطبخهم حيث لا يجدون ما يشترونه فيغنيهم عن ما يصنعونه بالنار وكذلك الحكمة في خلق النسيم وما فيه من المصالح والعبر فإنه حياة هذه الأبدان وقوامها من خارج ومن داخل وفيه طرد هذه الأصوات فيؤديها إلى السامع وهو الحامل لهذه الأراييح يؤديها إلى المسام وينقلها من موضع إلى موضع وهو الذي يزجي السحاب ويسوقه من مكان إلى مكان على ظهره كالروايا على ظهور الإبل وهو الذي يسير السحاب أولا فيكون كسفا متفرقة فيؤلف بينه ثانيا فيصير طبقا واحدا ثم يلقحه ثالثا كما يلقح الفحل الأنثى فيحمل الماء كما تحمل الأنثى من لقاح الفحل ثم يسوقه رابعا إلى أحوج الأماكن والحيوان إليه ثم يعصره خامسا حتى لا يخرج ماؤه ثم يذروا ماءه بعد عصره سادسا حتى لا يسقط جملة فيهلك ما يقع عليه ثم يربي النبات سابعا فيكون له بمنزلة الماء والغذاء يجففه بحرارته ثامنا لئلا يعفن ولا يمكن بقاؤه ولهذا اقتضت الحكمة الباهرة أن تكون الرياح مختلفة المهاب والصفات والطبائع فزعم نفاة الحكمة أن هذا كله أمر اتفاقي لا سبب ولا غاية وهذا لو تتبعناه لجاء عدة أسفار بل لو تتبعنا خلقة الإنسان وحده وما فيها من الحكم والغايات لعجزنا نحن وأهل الأرض عن الإحاطة بتفصيل ذلك فلنرجع إلى جواب نفاة الحكمة والتعليل فنقول، في الوجه الرابع والعشرين قولهم أي حكمة في خلق إبليس وجنوده ففي ذلك من الحكم مالا يحيط بتفصيله إلا الله فمنها أن يكمل لأنبيائه وأوليائه مراتب العبودية بمجاهدة عدو الله وحزبه ومخالفته ومراغمته في الله وإغاظته وإغاظة أوليائه والاستعاذة به منه والإلجاء إليه أن يعيذهم من شره وكيده فيترتب لهم على ذلك من المصالح الدنيوية والأخروية ما لم يحصل بدونه وقدمنا أن الموقوف على الشيء لا يحصل بدونه ومنها خوف الملائكة والمؤمنين من ذنبهم بعد ما شاهدوا من حال إبليس ما شاهدوه وسقوطه من المرتبة الملكية إلى المنزلة الإبليسية يكون أقوى وأتم ولا ريب أن الملائكة لما شاهدوا ذلك حصلت لهم

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 236
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست