responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 237
عبودية أخرى للرب تعالى وخضوع آخر وخوف آخر كما هو المشاهد من حال عبيد الملك إذا رأوه قد أهان أحدهم الإهانة التي بلغت منه كل مبلغ وهم يشاهدونه فلا ريب أن خوفهم وحذرهم يكون أشد ومنها أنه سبحانه جعله عبرة لمن خالف أمره وتكبر عن طاعته وأصر على معصيته كما جعل ذنب أبي البشر عبرة لمن ارتكب نهيه أو عصى أمره ثم تاب وندم ورجع إلى ربه فابتلى أبوي الجن والإنس بالذنب وجعل هذا الأب عبرة لمن أصر وأقام على ذنبه وهذا الأب عبرة لمن تاب ورجع إلى ربه فلله كم في ضمن ذلك من الحكم الباهرة والآيات الظاهرة ومنها أنه محك امتحن الله به خلقه ليتبين به خبيثهم من طيبهم فإنه سبحانه خلق النوع الإنساني من الأرض وفيها السهل والحزن والطيب والخبيث فلا بد أن يظهر فيهم ما كان في مادتهم كما في الحديث الذي رواه الترمذي مرفوعا أن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على مثل ذلك منهم الطيب والخبيث والسهل والحزن وغير ذلك فما كان في المادة الأصلية فهو كائن في المخلوق منها فاقتضت الحكمة الإلهية إخراجه وظهوره فلا بد إذا من سبب يظهر ذلك وكان إبليس محكا يميز به الطيب من الخبيث كما جعل أنبيائه ورسله محكا لذلك التمييز قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} فأرسله إلى المكلفين وفيهم الطيب والخبيث فانضاف الطيب إلى الطيب والخبيث إلى الخبيث واقتضت حكمته البالغة ان خلطهم في دار الامتحان فإذا صاروا إلى دار القرار يميز بينهم وجعل لهؤلاء دارا على حدة ولهؤلاء دارا على حدة حكمة بالغة وقدرة قاهرة ومنها أن يظهر كمال قدرته في خلق مثل جبريل والملائكة وإبليس والشياطين وذلك من أعظم آيات قدرته ومشيئته وسلطانه فإنه خالق الأضداد كالسماء والأرض والضياء والظلام والجنة والنار والماء والنار والحر والبرد والطيب والخبيث ومنها أن خلق أحد الضدين من كمال حسن ضده فإن الضد إنما يظهر حسنه بضده فلولا القبيح لم تعرف فضيلة الجميل ولولا الفقر لم يعرف قدر الغنا كما تقدم بيانه ريبا ومنها أنه سبحانه يحب أن يشكر بحقيقة الشكر وأنواعه ولا ريب أن أولياءه نالوا بوجود عدو الله إبليس وجنوده وامتحانهم به من أنواع شكره ما لم يكن ليحصل لهم بدونه فكم بين شكر آدم وهو في الجنة قبل أن يخرج منها وبين شكره بعد أن ابتلي بعدوه ثم اجتباه ربه وتاب عليه وقبله ومنها أن المحبة والإنابة والتوكل والصبر والرضاء ونحوها أحب العبودية إلى الله سبحانه وهذه العبودية إنما تتحقق بالجهاد وبذل النفس لله وتقديم محبته على كل ما سواه فالجهاد ذروة سنام العبودية وأحبها إلى الرب سبحانه فكان في خلق إبليس وحزبه قيام سوق هذه العبودية وتوابعها التي لا يحصى حكمها وفوائدها وما فيها من المصالح إلا فالله ومنها أن في خلق من يضاد رسله ويكذبهم ويعاديهم من تمام ظهور آياته وعجائب قدرته ولطائف صنعه ما وجوده أحب إليه وأنفع لأوليائه من عدمه كما تقدم من ظهور آية الطوفان والعصا واليد وفلق البحر وإلقاء الخليل في النار وأضعاف أضعاف ذلك من آياته وبراهين قدرته وعلمه وحكمته فلم يكن بد من وجود الأسباب التي يترتب عليها ذلك كما تقدم ومنها أن المادة النارية فيها الإحراق والعلو والفساد وفيها الإشراق والإضاءة والنور فأخرج منها سبحانه هذا وهذا كما أن المادة الترابية الأرضية فيها الطيب والخبيث والسهل والحزن والأحمر والأسود والأبيض فأخرج منها ذلك كله حكمة باهرة وقدرة قاهرة وآية دالة على أنه

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 237
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست