responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 301
على أن يرضع فكذلك هو مولود على أن يعرف الله والمعرفة ضرورية لا محالة إذا لم يوجد معارض وأيضا فإن حب النفس لله وخضوعها له وإخلاصها له مع الكفر به والشرك والإعراض عنه ونسيان ذكره إما أن يكون نسبتهما إلى الفطرة سواء أو الفطرة مقتضية للأول دون الثاني فإن كانا سواء لزم انتفاء المدح كما تقدم وإن لم يكن فرق بين دعائها إلى الكفر ودعائها إلى الإيمان ويكون تمجيسها كتحنيفها وقد عرف بطلان هذا وإن كان فيها مقتض لهذا فإما أن يكون المقتضى مستلزما لمقتضاه عند عدم المعارض وإما أن يكون متوقفا على شخص خارج عنها فإن كان الأول ثبت ذلك من لوازمها وأنها مفطورة عليه لا يفقد إلا إذا فسدت الفطرة وإن قدر أنه متوقف على شخص فذلك الشخص هو الذي يجعلها حنيفية كما يجعلها مجوسية وحينئذ فلا فرق بين هذا وهذا وإذا قيل هي إلى الحنيفية أميل كان كما يقال هي إلى غيرها أميل فتبين أن فيها قوة موجبة لحب لله والذل له وإخلاص الدين له وأنها موجبة لمقتضاها إذا سلمت من المعارض كما أن فيها قوة تقتضي شرب اللبن الذي فطرت على محبته وطلبه مما يبين هذا أن كل حركة إرادية فإن الموجب لها قوة في المريد فإذا أمكن في الإنسان أن يحب الله ويعبده ويخلص له الدين كان فيه قوة تقتضي ذلك إذ الأفعال الإرادية لا يكون سببها إلا من نفس الحي المريد الفاعل ولا يشترط في إرادته إلا مجرد الشعور بالمراد فما في النفوس من قوة المحبة له إذا شعرت به تقتضي حبه إذا لم يحصل معارض وهذا موجود في محبة الأطعمة والأشربة والنكاح والعلم وغيرها وقد ثبت أن في النفس قوة المحبة لله والإخلاص والذل له والخضوع وأن فيها قوة الشعور به فيلزم قطعا وجود المحبة له والتعظيم والخضوع بالفعل لوجود المقتضي إذا سلم عن المعارض وتبين أن المعرفة والمحبة لا يشترط فيهما وجود شخص منفصل وإن كان وجوده قد يذكر ويحرك كما لو خوطب الجائع أو الظمآن بوصف طعام أو خوطب المغتلم بوصف النساء فإن هذا مما يذكره ويحركه ويثير شهوته الكامنة بالقوة في نفسه لا أنه يحدث له نفس تلك الإرادة والشهوة بعد أن لم تكن فيه فيجعلها موجودة بعد أن كانت عدما فكذلك الأسباب الخارجة عن الفطرة لا يتوقف عليها وجود ما في الفطرة من الشعور بالخالق ومحبته وتعظيمه والخضوع له وإن كان ذلك مذكرا ومحركا ومنبها ومزيلا للعارض المانع ولذلك سمى الله سبحانه ما كمل به موجبات الفطرة بذكر أوذكرى وجعل رسوله مذكرا فقال: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} وقال: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} وقال: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} وقال: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} وقال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} وقال: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} وهذا كثير في القرآن يخبر أن كتابه ورسوله مذكر لهم بما هو مركوز في فطرهم من معرفته ومحبته وتعظيمه وإجلاله والخضوع له والإخلاص له ومحبة شرعه الذي هو العدل المحض وإيثاره على ما سواه فالفطر مركوز فيها معرفته ومحبته والإخلاص له والإقرار بشرعه وإيثاره على غيره فهي تعرف ذلك وتشعر به مجملا ومفصلا بعض التفصيل فجاءت الرسل تذكرها بذلك وتنبهها عليه وتفصله لها وتبينه وتعرفها الأسباب المعارضة لموجب الفطرة

نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 301
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست