نام کتاب : طريق الهجرتين وباب السعادتين نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 327
فهو عندهم مخلة عظيمة لأن الشوق إنما يكون إلى غائب. ومذهب هذه الطائفة إنما قام على المشاهدة والطريق عندهم أن يكون العبد غائباً والحق ظاهراً. ولهذا المعنى لم ينطق بالشوق كتاب ولا سنة صحيحة.
[لأن] الشوق مخبر عن بعد ومشير [إلى] غائب، وهو يطلع إلى إدراك: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَما كُنْتُمْ} [الحديد: 4] ، وقيل:
ولا معنى لشكوى الشوق يوماً ... إلى من لا يزول عن العيان
اختلف الناس فى الشوق والمحبة أيهما أعلى؟ فقالت طائفة: المحبة أعلى من الشوق هذا قول ابن عطاء وغيره، واحتجوا بأن الشوق غايته أن يكون أثراً من آثار المحبة، ومتولداً عنها: فهى أصله وهو فرعها. قالوا: والمحبة توجب آثاراً كثيرة فمن آثارها الشوق. وقالت طائفة منهم سرى السقطى وغيره: الشوق أعلى. قال الجنيد: سمعت السرى يقول: الشوق أجل مقامات العارف، إذا تحقق فى الشوق لها عن كل شيء يشغله عمن يشتاق إليه. وإنما يظهر سر المسألة بذكر فصلين: الأول فى حقيقة الشوق، والثانى فى الفرق بينه وبين المحبة.
ويتبع ذلك خمس مسائل:
إحداها: هل يجوز إطلاقه على الله كما يطلق عليه أنه يحب عباده أم لا؟
الثانية: هل يجوز إطلاقه على العبد فيقال: يشتاق إلى الله كما يقال يحبه؟
الثالثة: أنه هل يقوى بالوصول والقرب، أم يضعف بهما؟ فأى الشوقين أعلى: شوق القريب الدانى، أم شوق البعيد الطالب؟
الرابعة: ما الفرق بينه وبين الاشتياق، فهل هما بمعنى واحد أم بينهما فرق؟
الخامسة: فى بيان مراتبه وأقسامها ومنازل أهله فيه.
الفصل الأول - فى حقيقة الشوق:
هو سفر القلب فى طلب محبوبه، بحيث لا يقر قراره حتى يظفر به ويحصل له. وقيل: هو لهيب ينشأ بين أثناء الحشا، سببه الفرقة، فإذا وقع اللقاء أطفأ ذلك اللهيب. وقيل: الشوق هبوب القلب إلى محبوب غائب.
وقال ابن خفيف [الشوق ارتياح القلوب ومحبه اللقاء بالقرب: وقيل] الشوق [تروح] القلوب نحو المحبوب من غير منازع. ويقال: الشوق انتظار اللقاء بعد البعاد. فهذه الحدود ونحوها مشتركة فى أن الشوق إنما يكون مع الغيبة من المحبوب وأما مع حضوره ولقائه فلا شوق.
وهذه حجة من جعل المحبة أعلى منه، فإن المحبة لا تزول باللقاءِ، وبهذا يتبين الكلام فى الفصل الثانى وهو الفرق بينه وبين المحبة.
نام کتاب : طريق الهجرتين وباب السعادتين نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 327