نام کتاب : طريق الهجرتين وباب السعادتين نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 328
الفصل الثانى - الفرق بينهما:
فرق ما بين الشيء وأثره. فإن الحامل على الشوق هو المحبة، ولهذا يقال: لمحبتى له اشتقت إليه وأحببته فاشتقت إلى لقائه، ولا يقال: لشوقى إليه أحببته، ولا اشتقت إلى لقائه فأحببته.
فالمحبة بذر فى القلب، والشوق بعض ثمرات ذلك البذر، وكذلك من ثمراتها حمد المحبوب والرضى عنه وشكره وخوفه ورجاؤه والتنعيم بذكره والسكون إليه والأُنس به والوحشية بغيره، وكل هذه من أحكام المحبة ... وثمراتها، وهو حياتها، فمنزلة الشوق من المحبة منزلة الهرب من البغضاءِ والكراهة: فإن القلب إذا أبغض الشيء وكرهه جد فى الهرب منه، وإذا أحبه جد فى الهرب إليه وطلبه، فهو حركة القلب فى الظفر بمحبوبه ولشدة ارتباط الشوق بالمحبة يقع كل واحد منهما موقع صاحبه ويفهم منه ويعبر عنه.
فصل
وأما المسائل [الخمس] فإحداها: هل يجوز إطلاقه على الله؟ فهذا مما لم يرد به القرآن ولا السُّنَّة بصريح لفظه. قال صاحب "منازل السائرين" وغيره: وسبب ذلك أن الشوق إنما يكون لغائب.
ومذهب هذه الطائفة إنما قام على المشاهدة، ولهذا السبب عندهم لم يجيء فى حق الله ولا فى حق العبد.. وجوزت طائفة إطلاقه كما يطلق عليه سبحانه، ورووا فى أثر أنه يقول: "طال شوق الأبرار إلى لقائى، وأنا إلى لقائهم أشوق". قالوا: وهذا الذى تقتضيه الحقيقة، وإن لم يرد به لفظ صريح، فالمعنى حق، فإن كل محب فهو مشتاق إلى لقاء محبوبه.
قالوا: وأما قولكم إن الشوق إنما يكون إلى الغائب وهو سبحانه لا يغيب عن عبده ولا يغيب العبد عنه، فهذا حضور العلم، وأما اللقاءُ والقرب فأمر آخر، فالشوق يقع بالاعتبار الثانى وهو قرب الحبيب ولقاؤه والدنو منه، وهذا له أجل مضروب لا ينال قبله.
قال تعالى: {مَن كَانَ يرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآتٍ} [العنكبوت: 5] ، قال أبو عثمان الحيرى: هذا تعزية للمشتاقين، معناه: إنى أعلم أن اشتياقكم إلى غالب، وأنا أجلت للقائكم أجلاً، وعن قريب يكون وصولكم إلى من تشتاقون إليه. والصواب أن يقال: إطلاقه [اللفظ] متوقف على السمع، ولم يرد به، فلا ينبغى إطلاقه. وهذا كلفظ العشق أيضاً، فإنه لما لم يرد به سمع فإنه يمتنع إطلاقه عليه سبحانه.
واللفظ الذى أطلقه سبحانه على نفسه وأخبر به عنها أتم من هذا وأجل شأْناً هو لفظ المحبة، فإنه سبحانه يوصف من كل صفة كمال بأكملها وأجلها
نام کتاب : طريق الهجرتين وباب السعادتين نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 328