نام کتاب : طريق الهجرتين وباب السعادتين نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 338
الذين لم يبق لهم مع الحق إرادة، بل صارت إرادتهم تابعة لإرادته، فحصل الاتحاد فى المراد فقط لا فى الإرادة ولا فى المريد، فأصحاب الوحدة ظنوا الاتحاد فى المريد وأصحاب الحلول توهموا الاتحاد فى الإرادة: {فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 213] ، فعلموا أن المراد واحد فالاتحاد وقع فى المراد فقط، لا فى الإرادة ولا فى المريد.
وقوله "فيعتقدون أن ما دونه قاطع عنه" إنما يكون ما دونه قاطعاً عنه إذا وقف العبد معه وتعلقت إرادته به وانصرف طلبه إليه، وأما إذا جعله وسيلة إلى الله وطريقاً يصل بها إليه لم يكن قاطعاً ولا حجاباً، بل يكون حاجباً موصلاً إليه، وقوله تعالى: {قُلْ أَى شَيءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19] ، المراد بالآية شهادته سبحانه لرسوله بتصديقه على رسالته، فإن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشهد لك على ما تقول؟ فأنزل الله [تعالى] آيات شهادته له وشهادة ملائكته وشهادة علماءِ أهل الكتاب [له] ، فقال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43] ، أى ومن عنده علم الكتاب يشهد لى وشهادته مقبولة لأنها شهادة بعلم، قال الله تعالى: {لَكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ، وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ، وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً} [النساء: 166] ، وقال تعالى {قُلْ أَى شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً، قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19] ، فأخبر سبحانه فى هذه المواضع بشهادته لرسوله وكفى بشهادته إثباتاً لصدقه وكفى به شهيداً.
فإن قيل: وما شهادته [سبحانه] لرسوله؟ قيل: هى ما أقام على صدقه من الدلالات والآيات المستلزمة لصدقه بعد العلم بها ضرورة، فدلالتها على صدقه أعظم من دلالة كل بينة وشاهد على حق، فشهادته سبحانه لرسوله أصدق شهادة وأعظمها وأدلها على ثبوت المشهود به، فهذا وجه.
ووجه آخر: أنه صدقه بقوله وأقام الأدلة القاطعة على صدقه فيما يخبر به عنه، فإذا أخبر عنه أنه شهد له قولاً لزم ضرورة صدقه فى ذلك الخبر وصحت الشهادة له به قطعاً، فهذا معنى الآية وكان أجنبياً عما [استشهد] به المصنف.
ونظير هذا استشهادهم بقوله تعالى: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ، قُلِ اللهُ، ثُمَّ ذَرْهُمْ} [الأنعام: 91] حتى رتب على ذلك بعضهم أن الذكر بالاسم المفرد
نام کتاب : طريق الهجرتين وباب السعادتين نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 338