responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 181
العَبْد عَن كَمَاله وفلاحه وسعادته العاجلة والاجلة قَاطع اعظم من الْوَهم الْغَالِب على النَّفس والخيال الَّذِي هُوَ مركبها بل بحرها الَّذِي لَا تنفك سابحة فِيهِ وَإِنَّمَا يقطع هَذَا الْعَارِض بفكرة صَحِيحَة وعزم صَادِق يُمَيّز بِهِ بَين الْوَهم والحقيقة وَكَذَلِكَ إِذا فكر فِي عواقب الامور وَتجَاوز فكره مباديها وَضعهَا موَاضعهَا وَعلم مراتبها فَإِذا ورد عَلَيْهِ وَارِد الذَّنب والشهوة فَتَجَاوز فكره لذته وَفَرح النَّفس بِهِ الى سوء عاقبته وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الالم والحزن الَّذِي لَا يُقَاوم تِلْكَ اللَّذَّة والفرحة وَمن فكر فِي ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يكَاد يقدم عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِذا ورد على قلبه وَارِد الرَّاحَة والدعة والكسل والتقاعد عَن مشقة الطَّاعَات وتعبها حَتَّى عبر بفكره الى مَا يترب عَلَيْهَا من اللَّذَّات والخيرات والافراح الَّتِي تغمر تِلْكَ الالام الَّتِي فِي مباديها بِالنِّسْبَةِ الى كَمَال عواقبها وَكلما غاص فكره فِي ذَلِك اشْتَدَّ طلبه لَهَا وَسَهل عَلَيْهِ معاناتها اسْتَقْبلهَا بنشاط وَقُوَّة وعزيمة وَكَذَلِكَ إِذا فكر فِي مُنْتَهى مَا يستعبده من المَال والجاه والصور وَنظر الى غَايَة ذَلِك بِعَين فكره اسْتَحى من عقله وَنَفسه ان يكون عبدا لذَلِك كَمَا قيل:
لَو فكر العاشق فِي مُنْتَهى ... حسن الَّذِي يسبيه لم يسبه
وَكَذَلِكَ إِذا فكر فِي آخر الاطعمة المفتخرة الَّتِي تفانت عَلَيْهَا نفوس اشباه الانعام وَمَا يصير امرها اليه عِنْد خُرُوجهَا ارْتَفَعت همته عَن صرفهَا الى الاعتناء بهَا وَجعلهَا معبود قلبه الَّذِي اليه يتَوَجَّه وَله يرضى ويغضب وَيسْعَى ويكدح ويوالي ويعادي كَمَا جَاءَ فِي الْمسند عَن النَّبِي انه قَالَ إِن الله جعل طَعَام ابْن آدم مثل الدُّنْيَا وَإِن قزحه ملحه فَإِنَّهُ يعلم الى مَا يصير اَوْ كَمَا قَالَ فَإِذا وَقع فكره على عَاقِبَة ذَلِك وَآخر امْرَهْ وَكَانَت نَفسه حرَّة ابيه ربأبها ان يَجْعَلهَا عبدا لما آخِره انتن شَيْء واخبثه وافحشه
فصل إِذا عرف هَذَا فالفكر هُوَ احضار معرفتين فِي الْقلب ليستثمر مِنْهُمَا
معرفَة ثَالِثَة وَمِثَال ذَلِك إِذا احضر فِي قلبه العاجلة وعيشها وتعيمها وَمَا يقْتَرن بِهِ من الافات وانقطاعه وزواله ثمَّ احضر فِي قلبه الاخرة وَنَعِيمهَا ولذته ودوامه وفضله على نعيم الدُّنْيَا وَجزم بِهَذَيْنِ العلمين اثمر لَهُ ذَلِك علما ثَالِثا وَهُوَ ان الاخرة وَنَعِيمهَا الْفَاضِل الدَّائِم أولى عِنْد كل عَاقل بايثاره من العاجلة المنقطعة المنغصة ثمَّ لَهُ فِي معرفَة الاخرة حالتان احداهما ان يكون قد سمع ذَلِك من غَيره من غير ان يُبَاشر قلبه برد الْيَقِين بِهِ وَلم يفض قلبه الى مكافحة حَقِيقَة الاخرة وَهَذَا حَال أَكثر النَّاس فيتجاذبه داعيان احدهما دَاعِي العاجلة وايثارها وَهُوَ أقوى الداعيين عِنْده لانه مشَاهد لَهُ محسوس وداعي الاخرة وَهُوَ اضعف الداعيين عِنْده لانه دَاع عَن سَماع

نام کتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 181
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست