responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 266
{لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: 73] .
أَنَّهُ لَمْ يَنْسَ وَلَكِنَّهُ مَعَارِيضُ الْكَلَامِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: الْكَلَامُ أَوْسَعُ مِنْ أَنْ يُصَرَّحَ فِيهِ بِالْكَذِبِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الصِّدْقِ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْكَذِبِ فِي الْقُبْحِ وَالْمَعَرَّةِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ فِي الْأَذَى وَالْمَضَرَّةِ، وَهِيَ الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالسِّعَايَةُ. فَأَمَّا الْغِيبَةُ فَإِنَّهَا خِيَانَةٌ وَهَتْكُ سِتْرٍ يَحْدُثَانِ عَنْ حَسَدٍ وَغَدْرٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات: 12] .
يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَحْمُهُ مَيِّتًا لَا تَحِلُّ غِيبَتُهُ حَيًّا. وَرُوِيَ «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ صَامَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلَتَا تَغْتَابَانِ النَّاسَ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: صَامَتَا عَمَّا أُحِلَّ لَهُمَا، وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمَا» .
وَرَوَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُحَرِّمَ لَحْمَهُ عَلَى النَّارِ» . وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: الْغِيبَةُ رَعْيُ اللِّئَامِ. وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، يَقُولُ: الْغِيبَةُ فَاكِهَةُ النِّسَاءِ. وَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ سِيرِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنِّي اغْتَبْتُك فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ. فَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ أَحِلَّ لَك مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك.
وَقَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: لَا تُعِنْ النَّاسَ عَلَى عَيْبِك بِسُوءِ غَيْبِك. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
لَا تَلْتَمِسْ مِنْ مَسَاوِي النَّاسِ مَا سَتَرُوا ... فَيَهْتِكَ اللَّهُ سِتْرًا مِنْ مَسَاوِيكَا
وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إذَا ذُكِرُوا ... وَلَا تَعِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَا فِيكَا
وَرُبَّمَا عَذَرَ الْمُغْتَابُ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ يَقُولُ حَقًّا وَيُعْلِنُ فِسْقًا. وَيَسْتَشْهِدُ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَيْسَتْ غِيبَتُهُمْ بِغِيبَةٍ الْإِمَامُ الْجَائِرُ وَشَارِبُ الْخَمْرِ وَالْمُعْلِنُ بِفِسْقِهِ» . فَيَبْعُدُ مِنْ الصَّوَابِ وَيُجَانِبُ الْأَدَبَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بِالْغِيبَةِ صَادِقًا فَقَدْ هَتَكَ سِتْرًا كَانَ بِصَوْنِهِ أَوْلَى

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 266
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست