responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 329
وَالثَّانِي: طَلَبُهُ مِنْ أَحْسَنِ جِهَاتِهِ الَّتِي لَا يَلْحَقُهُ فِيهَا غَضٌّ، وَلَا يَتَدَنَّسُ لَهُ بِهَا عِرْضٌ، فَإِنَّ الْمَالَ يُرَادُ لِصِيَانَةِ الْأَعْرَاضِ لَا لِابْتِذَالِهَا، وَلِعِزِّ النُّفُوسِ لَا لِإِذْلَالِهَا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَا حَبَّذَا الْمَالُ أَصُونُ بِهِ عِرْضِي وَأُرْضِي بِهِ رَبِّي. وَقَالَ أَبُو بِشْرٍ الضَّرِيرُ:
كَفَى حُزْنًا أَنِّي أَرُوحُ وَأَغْتَدِي ... وَمَا لِي مِنْ مَالٍ أَصُونُ بِهِ عِرْضِي
وَأَكْثَرُ مَا أَلْقَى الصَّدِيقَ بِمَرْحَبًا ... وَذَلِكَ لَا يَكْفِي الصَّدِيقَ وَلَا يُرْضِي
وَسُئِلَ ابْنُ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اُطْلُبُوا الْحَوَائِجَ مِنْ حِسَانِ الْوُجُوهِ» . فَقَالَ: مَعْنَاهُ مِنْ أَحْسَنِ الْوُجُوهِ الَّتِي تَحِلُّ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَأَنَّى فِي تَقْدِيرِ مَادَّتِهِ وَتَدْبِيرِ كِفَايَتِهِ بِمَا لَا يَلْحَقُهُ خَلَلٌ وَلَا يَنَالُهُ زَلَلٌ، فَإِنَّ يَسِيرَ الْمَالِ مَعَ حُسْنِ التَّقْدِيرِ، وَإِصَابَةِ التَّدْبِيرِ، أَجْدَى نَفْعًا وَأَحْسَنُ مَوْقِعًا مِنْ كَثِيرِهِ مَعَ سُوءِ التَّدْبِيرِ، وَفَسَادِ التَّقْدِيرِ، كَالْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ إذَا رُوعِيَ يَسِيرُهُ زَكَا، وَإِنْ أُهْمِلَ كَثِيرُهُ اضْمَحَلَّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْكَمَالُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْعِفَّةُ فِي الدِّينِ، وَالصَّبْرُ عَلَى النَّوَائِبِ، وَحُسْنُ التَّدْبِيرِ فِي الْمَعِيشَةِ. وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: فُلَانٌ غَنِيٌّ. فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ ذَلِكَ مَا لَمْ أَعْرِفْ تَدْبِيرَهُ فِي مَالِهِ. فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِيمَا يَسْتَمِدُّهُ مِنْ قَدْرِ الْكِفَايَةِ فَقَدْ أَدَّى حَقَّ الْمُرُوءَةِ فِي نَفْسِهِ.
وَسُئِلَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ الْمُرُوءَةِ فَقَالَ: الْعِفَّةُ وَالْحِرْفَةُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ لَا تَكُنْ عَلَى أَحَدٍ كَلًّا فَإِنَّك تَزْدَادُ ذُلًّا، وَاضْرِبْ فِي الْأَرْضِ عَوْدًا وَبَدْءًا، وَلَا تَأْسَفْ لِمَالٍ كَانَ فَذَهَبَ، وَلَا تَعْجَزْ عَنْ الطَّلَبِ لِوَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ. فَهَذَا حَالُ اللَّازِمِ وَقَدْ كَانَ ذَوُو الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ وَالنُّفُوسِ الْأَبِيَّةِ يَرَوْنَ مَا وَصَلَ إلَى الْإِنْسَانِ كَسْبًا أَفْضَلَ مِمَّا وَصَلَ إلَيْهِ إرْثًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِرْثِ فِي جَدْوَى غَيْرِهِ وَبِالْكَسْبِ مُجْدٍ إلَى غَيْرِهِ، وَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْفَضْلِ ظَاهِرٌ.
وَقَالَ كُشَاجِمُ:
لَا أَسْتَلِذُّ الْعَيْشَ لَمْ أَدْأَبْ لَهُ ... طَلَبًا وَسَعْيًا فِي الْهَوَاجِرِ وَالْغَلَسْ
وَأَرَى حَرَامًا أَنْ يُؤَاتِيَنِي الْغِنَى ... حَتَّى يُحَاوَلَ بِالْعَنَاءِ وَيُلْتَمَسْ

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 329
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست