responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 344
بِالْمُيَاسَرَةِ وَالْمُسَامَحَةِ، وَتَأَلُّفَهَا بِالْمُقَارَبَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ عَاشَرَ إخْوَانَهُ بِالْمُسَامَحَةِ دَامَتْ لَهُ مَوَدَّاتُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: إذَا أَخَذْت عَفْوَ الْقُلُوبِ زَكَا رِيعُك، وَإِنْ اسْتَقْصَيْت أَكْدَيْتَ.
وَالْمُسَامَحَةُ نَوْعَانِ فِي عُقُودٍ وَحُقُوقٍ. فَأَمَّا الْعُقُودُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا سَهْلَ الْمُنَاجَزَةِ، قَلِيلَ الْمُحَاجَزَةِ مَأْمُونَ الْغَيْبَةِ بَعِيدًا مِنْ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ. رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا كُتِبَ لَهُ مِنْهَا» .
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: التَّغَابُنُ لِلضَّعِيفِ» . وَحَكَى ابْنُ عَوْنٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ اشْتَرَى لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إزَارًا بِسِتَّةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ فَأَعْطَى التَّاجِرَ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: ثَمَنُهُ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ. فَقَالَ: إنِّي اشْتَرَيْته لِرَجُلٍ لَا يُقَاسِمُ أَخَاهُ دِرْهَمًا.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمُسَاهَلَةَ فِي الْعُقُودِ عَجْزٌ، وَأَنَّ الِاسْتِقْصَاءَ فِيهَا حَزْمٌ، حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَافِسُ فِي الْحَقِيرِ، وَإِنْ جَادَ بِالْجَلِيلِ الْكَثِيرِ كَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَقَدْ مَاكَسَ فِي دِرْهَمٍ، وَهُوَ يَجُودُ بِمَا يَجُودُ بِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: ذَلِكَ مَالِي أَجْوَدُ بِهِ وَهَذَا عَقْلِي بَخِلْت بِهِ.
وَهَذَا إنَّمَا يَنْسَاعُ مِنْ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ فِي دَفْعِ مَا يُخَادِعُهُمْ بِهِ الْأَدْنِيَاءُ، وَيُغَابِنُهُمْ بِهِ الْأَشِحَّاءُ، وَهَكَذَا كَانَتْ حَالُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ. فَأَمَّا مُمَاكَسَةُ الِاسْتِنْزَالِ وَالِاسْتِسْمَاحِ فَكَلَّا؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلْكَرْمِ وَمُبَايِنٌ لِلْمُرُوءَةِ.
وَأَمَّا الْحُقُوقُ فَتَتَنَوَّعُ الْمُسَامَحَةُ فِيهَا نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي الْأَحْوَالِ، وَالثَّانِي فِي الْأَمْوَالِ. فَأَمَّا الْمُسَامَحَةُ فِي الْأَحْوَالِ فَهُوَ إطْرَاحُ الْمُنَازَعَةِ فِي الرُّتَبِ وَتَرْكُ الْمُنَافَسَةِ فِي التَّقَدُّمِ. فَإِنَّ مُشَاحَّةَ النُّفُوسِ فِيهَا أَعْظَمُ وَالْعِنَادَ عَلَيْهَا أَكْثَرُ، فَإِنْ سَامَحَ فِيهَا وَلَمْ يُنَافِسْ كَانَ مَعَ أَخْذِهِ بِأَفْضَلِ الْأَخْلَاقِ

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 344
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست