responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 343
إنَابَةٌ فَلَا يَكْشِفُ عَنْ بَاطِنِ عُذْرِهِ، وَلَا يُعَنَّفُ بِظَاهِرِ غَدْرِهِ، فَيَكُونَ لَئِيمَ الظَّفَرِ سِيءَ الْمُكَافَأَةِ.
وَقَدْ قِيلَ: مَنْ غَلَبَتْهُ الْحِدَةُ فَلَا تَغْتَرَّ بِمَوَدَّتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: شَافِعُ الْمُذْنِبِ خُضُوعُهُ إلَى عُذْرِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
اقْبَلْ مَعَاذِيرَ مَنْ يَأْتِيكَ مُعْتَذِرًا ... إنْ بَرَّ عِنْدَك فِيمَا قَالَ أَوْ فَجَرَا
فَقَدْ أَطَاعَكَ مَنْ يُرْضِيكَ ظَاهِرُهُ ... وَقَدْ أَجَلَّكَ مَنْ يَعْصِيكَ مُسْتَتِرَا
وَإِنْ تَرَكَ نَفْسَهُ فِي زَلَلِهِ، وَلَمْ يَتَدَارَكْ بِعُذْرِهِ وَتَنَصُّلِهِ، وَلَا مَحَاهُ بِتَوْبَتِهِ، وَإِنَابَتِهِ، رَاعَيْت فِي الْمُتَارَكَةِ فَسَتَجِدُهُ لَا يَنْفَكُّ فِيهَا مِنْ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ كَفَّ عَنْ سَيِّئِ عَمَلِهِ، وَأَقْلَعَ عَنْ سَالِفِ زَلَلِهِ، فَالْكَفُّ إحْدَى التَّوْبَتَيْنِ، وَالْإِقْلَاعُ أَحَدُ الْعُذْرَيْنِ. فَكُنْ أَنْتَ الْمُعْتَذِرُ عَنْهُ بِصَفْحِك وَالْمُتَنَصِّلُ لَهُ بِفَضْلِك. فَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْمُحْسِنُ عَلَى الْمُسِيءِ أَمِيرٌ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَدْ وَقَفَ عَلَى مَا أَسْلَفَ مِنْ زَلَلِهِ غَيْرَ تَارِكٍ وَلَا مُتَجَاوِزٍ فَوُقُوفُ الْمَرَضِ أَحَدُ البرأين، وَكَفُّهُ عَنْ الزِّيَادَةِ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، وَقَدْ اسْتَبْقَى بِالْوُقُوفِ عَنْ الْمُتَجَاوِزِ أَحَدَ شَطْرَيْهِ فَعَوَّلَ بِهِ عَلَى صَلَاحِ شَطْرِهِ الْآخَرِ. وَإِيَّاكَ وَإِرْجَاءَهُ فَإِنَّ الْإِرْجَاءَ يُفْسِدُ شَطْرَ صَلَاحِهِ، وَالتَّلَافِيَ يُصْلِحُ شَطْرَ فَسَادِهِ، فَإِنَّ مَنْ سَقِمَ مِنْ جِسْمِهِ مَا لَمْ يُعَالِجْهُ سَرَى السَّقَمُ إلَى صِحَّتِهِ، وَإِنْ عَالَجَهُ سَرَتْ الصِّحَّةُ إلَى سَقَمِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَجَاوَزَ مَعَ الْأَوْقَاتِ فَيَزِيدَ فِيهِ عَلَى مُرُورِ الْأَيَّامِ، فَهَذَا هُوَ الدَّاءُ الْعُضَالُ فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِدْرَاكُهُ وَتَأَتَّى اسْتِصْلَاحُهُ، وَذَلِكَ بِاسْتِنْزَالِهِ عَنْهُ إنْ عَلَا، وَبِإِرْغَابِهِ إنْ دَنَا، وَبِعِتَابِهِ إنْ سَاوَى، وَإِلَّا فَآخِرُ الدَّاءِ الْعَيَاءِ الْكَيُّ. وَمَنْ بَلَغَتْ بِهِ الْأَعْذَارُ إلَى غَايَتِهَا فَلَا لَائِمَةَ عَلَيْهِ وَالْمُقِيمُ عَلَى شِقَاقِهِ بَاغٍ مَصْرُوعٌ.
وَقَدْ قِيلَ: مَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ أَغْمَدَهُ فِي رَأْسِهِ فَهَذَا شَرْطٌ. وَأَمَّا الْمُسَامَحَةُ فِي الْحُقُوقِ؛ فَلِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مُوحِشٌ وَالِاسْتِقْصَاءَ مُنَفِّرٌ وَمَنْ أَرَادَ كُلَّ حَقِّهِ مِنْ النُّفُوسِ الْمُسْتَصْعَبَةِ بِشُحٍّ أَوْ طَمَعٍ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بِالْمُنَافَرَةِ وَالْمُشَاقَّةِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إلَّا بِالْمُخَاشَنَةِ وَالْمُشَاحَّةِ؛ لِمَا اسْتَقَرَّ فِي الطِّبَاعِ مِنْ مَقْتِ مَنْ شَاقَّهَا وَنَافَرَهَا، وَبُغْضِ مَنْ شَاحَّهَا وَنَازَعَهَا، كَمَا اسْتَقَرَّ حُبُّ مَنْ يَاسَرَهَا وَسَامَحَهَا فَكَانَ أَلْيَقُ لِأُمُورِ الْمُرُوءَةِ اسْتِلْطَافَ النُّفُوسِ

نام کتاب : أدب الدنيا والدين نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 343
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست