وقال ابن القيم رحمه الله: "فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه، ويمقت أهله".
وقال: "ومن تأمل ما جرى في الإسلام من الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها".
بل لما فتح الله مكة، وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت، ورده على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك ـ مع قدرته عليه ـ خشية وقوع ما هو أعظم منه، من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر"[1].
وقال رحمه الله: "فإنكار المنكر أربع درجات:
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
والثانية: أن يقلّ، وإن لم يزل بالجملة.
والثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
والرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة محل اجتهاد، والرابعة محرمة.
فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون الشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كرمي النشاب، وسباق الخيل، ونحو ذلك.
وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو، أو لعب، أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلتهم إلى طاعة الله فهو المراد.
وإلا كان تركهم على ذلك خيرا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك؛ [1] إعلام الموقعين لابن القيم3/6.