فكان ما هم فيه شاغلا لهم عن ذلك.
وكما إذا كان الرجل مشتغلا بكتب المجون ونحوها، وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر فدعه وكتبه الأولى، وهذا باب واسع.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ـ قدس الله روحه ونور ضريحه ـ يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر؛ فأنكر عليهم من كان معي؛ فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر؛ لأنها تصد عن ذكره وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس، وسبي الذرية، وأخذ الأموال؛ فدعهم"[1].
وهذا وسيأتي مزيد بيان لهذا في الفقرة التالية.
47ـ تحديث الناس بما يعقلون: فمن السياسة والحكمة في الدعوة أن يخاطب كل قوم بما يفهمون، وأن يتحامى مخاطبة أحد بما لا يحتمله عقله؛ فذلك أدعى لقبول الموعظة، والبعد عن مواطن النفرة والتكذيب.
قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟ "[2].
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"[3].
وقال ابن الجوزي رحمه الله: "من المخاطرات العظيمة تحديث العوام بما لا تحتمله عقولهم، أو بما قد رسخ في نفوسهم ضده"[4]. [1] إعلام الموقعين 3/6ـ7. [2] أخرجه البخاري127. [3] أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه 5. [4] صيد الخاطر، ص74.