وقال: "فالله الله أن تحدث مخلوقا من العوام بما لا يحتمله دون احتيال وتلطف؛ فإنه لا يزول ما في نفسه، ويخاطر المحدث له بنفسه"[1].
ومما يعين على فهم السامعين، وعقلهم لما يلقى إليهم، ووقوعه في قرارات نفوسهم ـ أن تكون الموعظة بألفاظ مأنوسة، وتأليف محكم، ومعان بارزة.
وهكذا كانت مواعظ النبي صلى الله عليه وسلم وخطبه؛ فهي مصوغة بألفاظ مألوفة، ومعان قريبة المأخذ.
وهي مع قرب معانيها من أذهان الجمهور قد حازت في مراقي البلاغة الأمد الأسمى[2].
وقال أبو هلال العسكري رحمه الله: "فمدار البلاغة على تخير اللفظ، وتخيره أصعب من جمعه وتأليفه"[3].
وقال: "قال أبو داود: رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحها رواية الكلام، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخير الكلام، والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه"[4].
ولهذا فإن الواعظ البارع هو الذي يصوغ موعظته بما تحتمله العقول؛ فللعامة لغة، وللخاصة لغة، للكبار لغة، وللصغار لغة، وللرجال لغة، وللنساء لغة، وهكذا، وقد مر شيء من هذا القبيل في فقرة ماضية.
ومن تحديث الناس بما يعقلون أن تكون الموعظة ملائمة لكافة الطبقات؛ إذ هي تلقى على طبقات من الناس متفاوتة في العلم والفهم؛ فيحسن بالواعظ ألا يتعرض في موعظته إلى المسائل التي قد يتعثر فهمها على كثير منهم، أو أن [1] صيد الخاطر 75. [2] انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين، ص 185. [3] كتاب الصناعتين، ص 23. [4] كتاب الصناعتين، ص58.