إلا ونحن في كفاية من فضل الله تعالى قال: فتطيق الحمل كل يوم؟ قال: إذا صليت الفجر خرجت فتعرضت للرزق إلى وقت الزوال ثم أتفرغ لنفسي إلى فراغي من صلاة العصر وأجم نفسي من العصر إلى الليل قال: أفليس تكون بالليل جماما؟ قال: إن أجممت نفسي بالليل تركني فقيرا يوم القيامة.
ففطن لها علي فقال: إني رأيتك تأكل وحدك كيف لا تأكل مع والدتك وأختك؟ قال: إنهما يصومان فأجعل عشائي مع فطرهما.
قال: أخرج الكسر ففتح جرابه فأخرج منه كسرا يابسة أسود وأحمر وأبيض فنظر إليها الأمير ساعة يتأملها متفكرا ثم قال: يا شاكر إيتني بخمسة آلاف درهم صحاح فأدفعها إليه ليصلح بها حاله.
قال: أيها الأمير! أنا غني عنها لا حاجة لي فيها فجهد به على أن يأخذها فأبى. يتني بخمسة آلاف درهم صحاح فأدفعها إليه ليصلح بها حاله قال: أيها الأمير! أنا غني عنها لا حاجة لي فيها فجهد به على أن يأخذها فأبى.
قال الأمير: فلي إليك حاجة قال: ما حاجة مثلك إلى مثلي؟ قال: في حاجة مهمة فأخذ بيده فأدخله بعض غرفه وخلا معه وقال: هذا! قد عرفت حالي وقصتي وموضعي وما أنا فيه من هذا الملك نعيم الدنيا ولذاتها فادع الله تبارك وتعالى أن يزهدني في الدنيا يرغبني في الآخرة.
فقال له: الحمال يا حبيبي! مالي عند الله من المنزلة أدعوه إلا أن بعض الحكماء يقول: من خاف شيئا أدلج افرض إلى نفسك كل يوم وساعة شيئا معلوما من خصال الخير فإنك إذا فعلت لك جاءتك العزيمة بالعون من الله تعالى على ذلك ولا تؤخر عمل يومك لغد ولا تكلف نفسك ما لا طاقة لها به وأكثر ذكر الموت فإن ذكره يكثر القليل ويقلل الكثير وعليك بتقوى الله تعالى وطاعته واجتناب معاصيه ثم رفع يديه وطأطأ رأسه ودمعت عيناه وقال: يا من رفع السماء بقوته ودحا الأرض بمشيئته وخلق الخلائق بإرادته واستوى على العرش بقدرته يا مالك الملك وجبار الجبابرة وإله العالمين ومالك يوم الدين! أسألك برحمتك وجودك وقدرتك أن تخرج حب الدنيا من قلب عبدك عبد الله علي وتوفقه لطاعتك من الأعمال التي تقر به إلى مرضاتك وتجنبه معاصيك وتختم لنا وله برضوانك وعفوك يا أرحم الراحمين.
قال: فدمعت عينا علي وبكى فأكثر.
ثم قال للحمال: لو قبلت منا شيئا! قال: لا أريده وحاجتي أن تعجل سراحي.
فأمره بالخروج فخرج الحمال.