responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 1  صفحه : 120
وَقَدْ يَنْتَهِي الْحُمْقُ وَالْغَبَاوَةُ بِبَعْضِ الْعِبَادِ إلَى أَنَّهُ إذَا أُوذِيَ يَتَوَعَّدُ مُؤْذِيَهُ وَيَقُولُ: سَتَرَوْنَ مَا يَحِلُّ بِهِ، وَإِذَا نُكِبَ مُؤْذِيهِ يَعُدُّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِهِ لِعِظَمِ قَدْرِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ وَاسْتِيلَاءِ الْجَهْلِ عَلَيْهِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ وَالِاغْتِرَارِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ الْأَنْبِيَاءَ وَمَاتُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَاجَلُوا بِعِقَابٍ فِي الدُّنْيَا فَمَا مَرْتَبَةُ هَذَا الْجَاهِلِ؟ ، وَإِذَا اتَّضَحَ لَك كِبْرُ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي الظَّاهِرِ عَلَيْهِمَا مُعَوَّلُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا اتَّضَحَ لَك كِبْرُ الْبَقِيَّةِ مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ وَالْجَاهِ وَغَيْرِهِمْ؛ فَالْمُتَكَبِّرُ بِالنَّسَبِ قَدْ يَرَى مَنْ لَيْسَ كَنَسَبِهِ مِثْلَ عَبْدِهِ، وَكَذَا بِالْجَمَالِ، وَأَكْثَرُ مَا يَجْرِي بَيْنَ النِّسَاءِ وَنَحْوِهِنَّ، وَكَذَا بِالْمَالِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّنْيَا مِنْ الْمَنَاصِبِ وَالْمَتَاجِرِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا بِالْأَتْبَاعِ وَالْجُنْدِ، وَأَكْثَرُ مَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُلُوكِ؛ وَمِمَّا يُهَيِّجُ الْكِبْرَ وَيُسَعِّرُ نَارَهُ الْعُجْبُ وَالْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَالرِّيَاءُ؛ إذْ التَّكَبُّرُ خُلُقٌ بَاطِنِيٌّ لِأَنَّهُ اسْتِعْظَامُ النَّفْسِ وَرُؤْيَةُ قَدْرِهَا فَوْقَ قَدْرِ الْغَيْرِ، وَمُوجِبُهُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الْعُجْبُ، وَحَدُّهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي مَعْنَاهُ: مَنْ أُعْجِبَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ أَوْ عَمَلِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا مَرَّ اسْتَعْظَمَ نَفْسَهُ وَتَكَبَّرَ وَتَمَرَّدَ وَتَجَبَّرَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْعُجْبِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِلتَّكَبُّرِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ بَاعِثَهُ عَلَى التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ هُوَ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَعَلَى غَيْرِهِ هُوَ الرِّيَاءُ.
وَمِنْهَا: يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ أَرَادَ الْخَلَاصَ مِنْ وَرْطَةِ الْكِبْرِ وَثَمَرَتِهِ الْقَبِيحَةِ - إذْ هُوَ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ وَلَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِزَالَتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَهِيَ لَا تُمْكِنُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي، بَلْ بِالْمُعَالَجَةِ بِاسْتِعْمَالِ أَدْوِيَتِهِ النَّافِعَةِ فِي إزَالَتِهِ مِنْ أَصْلِهِ - أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ بِأَنْ يَتَأَمَّلَ مَا أَشَارَ إلَى بِدَايَتِهِ مِنْ أَذَلِّ الْأَشْيَاءِ وَأَحْقَرِهَا وَأَقْذَرِهَا - وَهُوَ التُّرَابُ ثُمَّ الْمَنِيُّ -، وَوَسَطِهِ مِنْ التَّأَهُّلِ لِاكْتِسَابِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ وَحِيَازَةِ الْمَنَاصِبِ وَالْمَرَاتِبِ، وَنِهَايَتِهِ مِنْ الزَّوَالِ وَالْفَنَاءِ وَالْعَوْدِ إلَى مِثْلِ بِدَايَتِهِ ثُمَّ إعَادَتِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الْأَكْبَرِ ثُمَّ إلَى الْجَنَّةِ أَوْ إلَى النَّارِ، وَمِنْ أَظْهَرِ مَا أَشَارَ لِكُلِّ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17] {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [عبس: 18] {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس: 19] {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس: 20] {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 22] {كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس: 23] {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24] إلَى آخِرِ السُّورَةِ. وقَوْله تَعَالَى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] الْآيَاتِ.
فَمَنْ تَأَمَّلَ ذَلِكَ وَنَظَائِرَهُ وَمَا أَشَارَتْ إلَيْهِ الْآيَاتُ عَلِمَ أَنَّهُ أَذَلُّ وَأَحْقَرُ مِنْ كُلِّ ذَلِيلٍ وَحَقِيرٍ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ إلَّا الذِّلَّةُ وَالتَّوَاضُعُ، وَأَنْ يَعْرِفَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا تَلِيقُ

نام کتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 1  صفحه : 120
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست