ومنه المرابطة، وأداء الأمانة، ومنه أداء الخمس، والقرض مع وفائه، وإكرام الجار، وحسن المعاملة، وفيه جمع المال من حلِّه. وإنفاق المال في حقه، ومنه ترك التبذير والإسراف. وردّ السلام، وتشميت العاطس، وكفّ الأذى عن الناس، واجتناب اللهو، وإماطة الأذى عن الطريق، فهذه تسع وستون خصلة، ويمكن عدّها تسعاً وسبعين خصلة باعتبار أفراد ما ضمّ بعضه إلى بعض مما ذُكر، والله أعلم"[1].
لكن ينبغي أن يُعلم أنَّ حصرَ هذه الشُعب وعدّها ليس شرطاً في الإيمان، بل يكفي المسلم من ذلك أن يقرأ كتاب الله وسنةَ رسوله صلى الله عليه وسلم ويقوم بما فيهما من أوامر، وينتهي عمّا فيهما من نواهي، ويصدِّق بما فيهما من أخبار، فمن قام بذلك فقد قام بشعب الإيمان، ونصيبُ العبد من هذه الشُعب هو بحسب نصيبه من القرآن والسنة علماً وعملاً وتطبيقاً.
ولذا يقول القاضي عياض - رحمه الله -: "تكلَّف جماعةٌ حصرَ هذه الشُعب بطريق الاجتهاد، وفي الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبة، ولا يقدح عدم معرفة حصر ذلك على التفصيل في الإيمان"[2].
ثم إذا كان مثلُ المؤمن مثل النخلة ووجه الشبه بينهما ظاهرٌ في أمورٍ كثيرةٍ تقدّم الإشارة إلى شيء منها، فإنَّ المؤمنين في ديارهم مثلهم مثل نخيل كثيرة في جنّة مباركة تؤتي أطايب الثمار وأحسن الأكل في كلِّ حين بإذن ربِّها.
وإذا كان هذا مثلُ المؤمنين في ديارهم فإنَّ مَثَل المصلحين فيهم مثل الفلاّح في بستانه، ومعلوم أنَّ أهل الفلاحة في بساتينهم ليسوا على مستوى واحد في الكفّاءة والقدرة وحسن الرعاية للنخيل والزروع والثمار، بل بينهم مِن [1] فتح الباري (1/52،53) . [2] فتح الباري (1/52) .