إذن أن يكون ممكنًا من الناحية المنطقية، بل يجب أيضًا أن يكون قابلًا للتحقق من الناحية العملية، وأن يجد مكانه وسط الوقائع التي تحوطه، بحيث لا يكون ممنوعًا بواسطة الأحداث التي تسبقه، ولا مدفوعًا بالأحداث التي تلحقه. فلا مناص إذن، قبل أن نتخذ قرارًا معينًا، من أن نحيط علمًا بالواقع الموضوعي، لا في مجرى نموه الراهن فحسب، بل في تاريخه، وفي مصيره.
وليس هذا هو كل شيء، بل يجب أن نلاحظ في الوقت نفسه تنوع العوامل النفسانية التي تحدد رد الفعل لدينا على الطبيعة؛ فإذا ضربنا هاتين المجموعتين من العوامل، إحداهما في الأخرى، فإن النتيجة التي نحصل عليها في كل حالة هي دائمًا ثمرة أصيلة. فإذا أضفنا أن الزمن لا يمكن أن يعيد نفسه وصلنا إلى نتيجة قاطعة هي: أن التاريخ لا يمكن أن تتماثل فيه لحظتان أبدًا. وهكذا تبرز في وضوح "الصفة النسبية" للحياة الأخلاقية.
على أن فيلسوفنا الذي عرف كيف يتفادى الخطأ الكانتي -لم يستطع أن يعصم نفسه من الوقوع في نقص معاكس، فقد مضى تبعًا لمنهجه في تعليم الأخلاق، وكأنما كانت فكرة عدم التماثل بين لحظتين من لحظات الحياة -تستبعد في نفس الوقت تشابههما، ولا تسمح بأن يكون بينهما أي مقياس مشترك، وكأنما لا يوجد إلى جوار العنصر الفردي أي مكان يتسع لعنصر جنسي أعم وأشمل، وكأنما لا تترك الأشياء التي تمر أثرًا لها، يبقى من بعدها.
وبناء على ذلك: يدعونا فيلسوفنا إلى أن نركز انتباهنا على العنصر الوقتي، ويحثنا كذلك بصراحة على أن نتحرر من المبادئ والمثل، ويرى: أنه يجب ألا نكف عن إخضاعها للتجربة والاختبار، بدلًا من أن نخضع لها1
1 انظر: la senne, traite de morale, p. 635- 6.