ولا تقتصر النتيجة حينئذ على إعطاء كل امرئ الحق في أن يشرع لنفسه واجباته، وفق ما يلائم طبعه، واستعداداته، ومطامحه فحسب، بل إن لنفس الشخص أن يضع مبادئه وأحكامه، بصورة مستمرة، تحت الفحص، وأن يهدم في كل لحظة ما بناه في لحظة سابقة.
ألسنا نلقي بأنفسنا في غمار الهوى والاعتساف حين نسلمها على هذا النحو لحياة مضاعفة من الفوضى؟
على أن هذه ليست أهم نقطة، بل إن من الواجب أن نسأل أنفسنا عن مبدأ التجربة نفسه، كقوة قادرة على هداية الضمير؟ إن التجربة تعتمد على "الأحداث" ولكن الضمير "يتغذى من القيم"، فبأية عملية سحرية يمكن تحويل جانب إلى آخر؟ ولا بد أن يعرف "روه": أن الحكم "القيمي" لا يمكن أن يخرج من مجرد الحكم "الواقعي"، في أية صورة تمثل هذا الواقع، موضوعيًّا كان أو شخصيًّا، بسيطًا أو مركبًا، ماضيًا، أو حاضرًا، أو مستقبلًا.
ففيما يتعلق بالماضي والحاضر -تتلخص كل ثمرة بحثنا التجريبي في هذه الملاحظة البسيطة التي تقرر: أن أي عمل قد صحبه أو لحقه دائمًا أثر معين، فنحن نسجله، ونحيط به علمًا، لا أكثر.
ولا شك أننا حين نحكم بأن أثرًا من الآثار حسن أو سيء، فنحن نميل إلى ذلك الحكم، بل ويدعونا إليه العمل الذي هو سبب فيه.
ولكن، ما الذي يدفعنا في الواقع إلى أن نحكم على الأثر هكذا؟
إن تجربتنا لو أمكنها أن تنتهي إلى حكم تقديري كهذا، وهي "تنصب" فيه، فإنها ليست على أية حال "منبعه"، بل هي مجرد مناسبة له. فنحن لا نستطيع مطلقًا أن نستنتج من حدوث ظاهرة ما -أن هذا الحدوث في حد ذاته يرضينا أو يغضبنا.