من خارج ذاته دون أن تكون لديه مسئولية أخرى صادرة عن ضميره الخاص، نجد المؤمن -على العكس- لا يمكن أن توجد إحدى المسئوليتين لديه دون الأخرى؛ لأن العمل الأول للإيمان يستلزم معرفة الله، الجدير بالطاعة والذي هو في الوقت نفسه محبوب ومعبود.
ولكن في اتجاه آخر, يمكن القول بأنه في سبيل تحقيق أخلاق كأخلاق القرآن يجب أن تنتهي كل مسئولية إلى نوع من المسئولية الدينية أو على الأقل تتبعها. هذه الأخلاق ترى في الواقع، أنه لا الالتزامات الفردية، ولا المؤسسات الاجتماعية، بقادرة على أن تكون مصادر للتكليف، والمسئولية، إلا بواسطة نوع من تفويض السلطة الإلهية. ولنأخذ أولًا المسئولية التي توجدها مبادرتنا الفردية، فلا ريب أن الإسلام يحلها مكانًا فسيحًا، ويدمجها في مجالات كثيرة بالمسئولية التي أقرتها قواعد الشرع المنزل. ومثال ذلك أن المحسن الذي يوقع بإمضائه طوعًا، وبمحض اختياره -لا يمكن شرعًا أن يسحب توقيعه, والشخص الثالث الذي يضمن دينًا على سبيل المروءة يصبح مدينًا بدوره, والتقي الذي يعزم على أداء نافلة, وهو يشهد الله على إقراره-يصبح منذئذ أمام تكليف ملزم, وفي كلمة واحدة، أيما امرئ يعطي كلمة لإنسان بعمل مشروع، حتى لو كان لقاء، يصبح بموجب كلمته مسئولًا مسئولية صارمة، وذلك هو قول الحق سبحانه: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا} [1]. ويقول رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" [2]. وهو درس يجد أصله في القرآن في قوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [3]. [1] الإسراء: 34. [2] صحيح البخاري, كتاب الإيمان, باب 24. [3] التوبة, آيات: 75-77.