الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [1]، ولا ريب أن المقصود في هذه النصوص هو المسئولية أمام الله، في يوم الفصل الأخير.
ولكن لننظر في الآيات الآتية المكان الذي خص به القرآن المسئولية الأخلاقية، وكيف أنه حتى في هذه اللحظة الحاسمة، يقدم محكمة الضمير، كيما يعد الحكم الأعلى، ويسوغه، يقول الله سبحانه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [2]، ويقول: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [3], {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَت} [4]. هذه الشمولية من ناحية الفرد تتضاعف من ناحية أخرى، ناحية الموضوع، ففي تلك اللحظة، سوف تحضر جميع الأعمال التي حدثت، في الحياة الدنيا، في أذهان أصحابها: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا، وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [5].
بل إن الحساب لن يطلب عن جميع الأعمال الظاهرة والخفية، فحسب، {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [6]، وإنما سوف يقدم حساب عن مجموع استخدامنا لملكاتنا وقدراتنا، وكل مال طبيعي، موروث أو مكتسب: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ [1] الأعراف: 6. [2] الإسراء: 14-15. [3] التكوير: 14. [4] الانفطار: 5. [5] الكهف: 47-49. [6] البقرة: 284.