أن علم النفس المقارن يثبت على العكس أن الغرائز الإنسانية أقل صرامة، وأكثر قابلية للتغيير والتربية، يؤثر بعضها في بعض أكثر من غريزة الحيوان بسبب عددها الكبير، وتعقدها البالغ.
وإذا كان إنسان قد باشر -منذ الأول- سلطانه على الصفات الطبيعية للحيوانات غير المستأنسة، التي أصبحت بالترويض طيعة مستأنسة، بعد أن كانت متوحشة متمردة، فكيف لا يكون لدينا سلطان مباشر أو غير مباشر على طباعنا الخاصة، كيما نغيرها إلى خير أو شر؟ ألا تنطوي أعماق هذا الحكم المتشائم على مقدمة متسرعة، ودليل بليد؟ فقد اعتقد العقلاء، في كل زمان -على عكس ذلك- في فاعلية الجهد الذي نستطيع أن نمارسه على ذواتنا، ويبدو أيضًا أن التجربة تؤكد إمكان التحويل، المتفاوت في درجة عمقه.
ويبدو كذلك أن القرآن يعترف من جانبه بهذه القدرة المزدوجة، التي أوتيها الإنسان، على أن يطهر كيانه الجواني ويحسنه، أو يعميه ويفسده، يقول الحق سبحانه: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [1].
ولنكن أقل طموحًا، ولنقرر -في الحقيقة- أن بعض عناصر طبعنا الأخلاقي تعصى على كل تطور أو تقدم، بيد أن هذا الجزء، ما كان له بداهة، أن يكون موضوع التكليف، أو المسئولية. فقد يكون المرء -بطبيعته- حزينًا أو فرحًا، متشائمًا أو متفائلًا، بليدًا أو حساسًا، دون أن يكون -لهذا- لاأخلاقيًّا. والإنسان ليس مسئولًا عن شذوذه النفساني، أكثر من مسئولية العليل عن عيوبه الجسمية. [1] الشمس 7-10.