مفروضًا بوساطة قوة مختفية لا نستطيع تحديد كنهها؟ وهل الله هو محركها الأول. لا أهمية لكل هذه التساؤلات إذ إننا بمجرد ما نلجأ -في لحظة ثانية، وبنية ثانية- إلى تبني القرار واعتماد تنفيذه، فإننا نصبح بهذا متضامنين مع فاعله الحقيقي. فإذا لم نكن السبب الأخلاقي للعمل في ذاته، جوهرًا، وصفة، فنحن هذا السبب على الأقل من حيث تكييف هذه الصفة؛ فليس بسبب أن الله قد "أراد" لنا أن "نريد" هذا أو ذاك، إننا قد أردناه في واقع الأمر؛ لأننا لا نقصد مطلقًا، أثناء عملنا، إلى أن يتخذنا الله سبحانه أداة لإنجاز إرادته المقدسة، ما دمنا لا ندري شيئًا عن هذه الإرادة الإلهية مقدمًا.
ولكنا -بغض النظر عن أي اعتبار آخر- نرتضي فقط، وبكل بساطة أن تكون تلك الإرادة في حسابنا الخاص، ونوقع بهذا التزامنا. وهكذا يصبح الإنسان مسئولًا، وهو يحقق ذاته بنفسه، كما يصبح مدينًا منذ جعل من نفسه كفيلًا.
وهكذا نفهم أن القرآن قد التزم أن يعلن مسئوليتنا أمام الله، في نفس الآيات التي يبدو فيها أنه يلحق الإرادة الإنسانية بالإرادة الإلهية بصورة كاملة. قال تعالى: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [1].
وإذن، فإن مبدأ المسئولية يظل في جميع الفروض مبدأ صحيحًا دون مساس. [1] النحل: 93.