حتى إنها تتجاهل السمة الجوهرية لهذا الشعب، الذي عرف في كل زمان بزهده وقناعته المفرطة، كما عرف بروحه الأبية والشعرية المتحمسة، وإن ما تقدمه هذه الصورة من المثالية الإسلامية، ورؤاها المنزهة -لجد قليل.
أما نحن، فلسنا نريد أن نتوقف عند اعتبارات عامة على هذا النحو، معتقدين أن الفصل في هذه المسألة يقتضي في أبسط حالاته وأعدلها، أن نرجع بها إلى النص ذاته. والواقع أننا حين نقرأ القرآن ندرك جيدًا الطريقة التي يفرض بها تكليفه الأخلاقي، ونقتنع بأن القول الذي يصدر عنه هذا التكليف هو أشد تركيبًا من أن ينتهي إلى هذه الصورة الفجة، التي يريد بعض الناس أن يعطيناها.
بيد أننا لو قمنا قبل ذلك بمقارنة مع بعض نصوص الكتاب المقدس الذي استطاع التراث المسيحي أن يستبقيه لنا، فإن ذلك سوف يكون مفيدًا، إذ يعين على استخراج المفهوم القرآني في هذا الموضوع، بما يتميز به من تركيب وغناء.
طرق التوجيه الكتابية:
ولنرجع أولًا إلى العهد القديم، ولننظر نوع العقوبات والمكافآت التي أقرت فيه جزاء على الوصايا الإلهية[1]، ولننح جانبًا بعض الفقرات النادرة جدًّا، والتي نجد فيها إشارة إلى الخير الأخلاقي لذاته، ثم ننظر إلى الكيفية التي كان بها تعليل الأوامر: [1] في مثل: "وإنه يكون لنا بر إذا حفظنا جميع هذه الوصايا" "سفر التثنية, إصحاح 6, جملة 25".
ومثل: "احترز من أن تسوء عينك بأخيك الفقير. فتكون عليك خطية" "سفر التثنية, إصحاح 15, جملة 9".