والرأي العام هو: ذلك الشعورالذي نجده حين نظن أن إخواننا قد يحسون نحونا بإحساس طيب أو رديء، وأننا سنكون موضع إعجابهم أو احتقارهم؟
إن من الواضح جدًّا أن هذه الاعتبارات لا تؤثر فينا تأثيرًا فعالًا إلى حين نكون على اتصال بالمجتمع، أو على الأقل حين يخيل إلينا أن سلوكنا ربما ينكشف له فيما بعد.
ولكن في حالة العزلة ... عندما لا يكون أحد هناك ولا يطلع أحد على سلوكنا قد يهون الأمر، حين تنتهي المثل العليا الراسخة في قلوبنا بالتربية -إلى خلق عادات طيبة، تمتد جذورها فينا امتدادًا عميقًا فنؤدي واجباتنا اليومية بأمانة، وانبعاث، دون أن نبالي بالناظرين.
لقد كان على روبنسون كروزو حين ألقي في جزيرته القاحلة أن يمتنع عن الشرب، تمامًا كما لو كان في وطنه، ولكن لو حدث أن تعقد الموقف، وهاج الشر، وأصبح الإغراء قويًّا، وأمن الإنسان في الوقت نفسه أن سره لن يكشف أبدًا، حينئذ لن يكون "المشاهد المحايد" الذي قال به آدم سميث ADAM SMITH ولا "الأنا الاجتماعية LE MOI SOCIAL" التي قال بها برجسون، ولا كل أشباح هذا المجتمع الإنساني -لن يكون هذا كله سوى مدد في حدود الكفاف.
إن القرآن يريد أن يضعنا في وسط مغاير لذلك تمامًا وأمام واقع حي، حاضر في أنفسنا، في كل مكان وزمان.
ولست أريد الحديث عن هذه الكوكبة النبيلة التي أكد القرآن وجودها المهيب اللامرئي، هذه الجماعة من الملائكة الحفظة الذين يرافقون الإنسان: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} [1]. [1] الرعد: 11.