وهكذا تتغير نغمة الخطاب كله، فوجهه الأليف الباسم يصبح ذا رزانة، ولكنه ليس قاسيًا، ولما كان لاحتمالي القرار، حظ متساوٍ في الظاهر، فإنهما قد طبعا الكلام من كلا جانبيه بصبغة محايدة ومتحفظة. وهذا الازدواج بدوره سوف يجد صداه في ازدواج المشاعر التي سوف يتقاسم بينها المخاطبون، أو أنه سوف يتمخض بالأحرى عن شعور مركب، بين الحماس والرهبة، وعن خليط من الاحترام والاحتشام، وما لا أدري أيضًا.
ثالثًا: موقف طائع من حيث المبدأ، ولكن لما كان وجود بعض الظروف الخاصة قد يقحم فيه بعض التغييرات, فإن النغمة تبدأ في أن تصبح أكثر صرامة.
والحق أن موضوع التفسير يبقى ثابتًا لا يتغير، فهو يحتفظ بالصيغة المجردة كما كان في المرحلة السابقة، ولكنا نرى عبارة التكليف تلح بخاصة على جانب التحريم، كأنما كان هنالك ملامح نزوع إلى نقض القاعدة. ومن الطبيعي جدًّا حينئذ أن يزداد وضوح التنبيه الذي يدعم القاعدة, وأن يغير معناه على الفور، وألا تظل كمية الطاقات التي يحتويها بنفس النسبة التي كانت منذ قليل، وأن يتغلب عنصر "المنع" منذئذ على عنصر "الدفع": {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [1].
ومن هنا كان عدم التناسب في المشاعر الموقظة، التي يغلب عليها بلا شك شعور الحياء، والواقع أن فكرة كوننا أمام الله لا يمكن أن تحتل عقولنا عندما نتخيل بعض المشروعات الخبيثة، إلا إذا مارسنا ضد هذه الخبائث كبحًا، يتفاوت في درجة قوته، وإذا سيطرت هذه الفكرة على عقولنا "أي: فكرة مثولنا أمام الله" فإننا نخاف أن نرتكب أمرًا، مهما صغر، يجعلنا نحمرُّ خجلًا أمام عظمة الله، واقرأ في ذلك ما رواه ابن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "استحيوا من الله حق الحياء" قلنا: إنا نستحي من الله يا رسول الله، والحمد لله، قال: "ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله [1] 2/ 181 و224 و227 و231 و282 و283 و3/ 156 و4/ 94 و135 و148 و11/ 112 و16/ 91 و33/ 1 و2 و52 و49/ 1. "= 2 أو14 ب".