حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء" [1]. فإذا أخطأ المرء أو ضعف فلأنه -قطعًا- قد غابت عنه في غمرة الحياة ولهوها تلك الفكر الهادية، التي أدركت يوسف من قبل حين {رَأى بُرْهَانَ رَبِّه} [2]. ولكن ذكر الله سرعان ما يخالط شغافنا، ليثير فينا حاجة عارمة إلى أن نبكي على تلك الغفلة الشائنة، وبهذا وحده يسترد المرء مكانه في المجتمع الإلهي، وصدق الله العظيم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ... } [3].
ولقد رأينا في هذه المراحل الثلاث أن الأمر أمر تربية أخلاقية على أساس من المشاعر الدينية، وهي بحكم طبيعتها قلما يكون لها تأثير أبعد منها ذاتها، ففي المرحلة الأولى يوقظ التوجيه الإلهي شعورنا بالحب، ذلك المحرك الممتاز، كيما يدفعنا قدمًا في طريق تحقيق القيم الإيجابية، وفي المرحلة الثالثة يمس شعورنا بالحياء، وهو لجام طيب، حتى يحفظنا من السقوط، ويوقفنا أمام الخطر، أما في المرحلة الثانية فإننا نأخذ حذرنا بفضل تعادل القوتين، فتستمر خطانا على صراط مستقيم.
رابعًا: وأخيرًا الموقف المتمرد المجاهر، لغير المؤمنين، وهو -على نقيض الحالة الأولى- لا يقتصر فيه الأمر على بعض قرارات خاصة منافية للشرع، [1] رواه الترمذي، وذكره ابن الديبع الشيباني في تيسير الوصول, كتاب الحياء, باب 1, نشر الشيخ حامد الفقي 2/ 23. "المعرب". [2] يوسف: 24. [3] آل عمران: 135.