وها نحن أولاء نجد أنفسنا بعيدين عن مستوى الحسن الأخلاقي الذي هو غاية في ذاته، حيث كانت الواجبات تمتدح وتقدر تبعًا لطبيعتها الخاصة، وحين تدخلت المشاعر الدينية بعد ذلك لتحفز من جانبها إلى إيقاظ هذا الحس كنا لا نزال في مجال عناصر تنتمي إلى أسرة واحدة.
أما الآن فإن لنا شأنًا مع طرف ثالث ليس من الأسرة، وحاشاه أن يكون البحث عن اللذة، أو الطمع في الكسب، أو تدبيرًا ماهرًا لإجراءات محترسة لمداراة الرذائل. ولكنه العقل الرشيد العملي، وغريزة المحافظة على النفس، وشعور مشروع بحب الذات، واهتمام طيب بخلق روابط من الصداقة المتبادلة بين الناس.
ومع ذلك. فسواء أكان هذا عامًّا أم فرديًّا، مشروعًا أو حتى جديرًا بالثناء -أوَليس هو دائمًا المنفعة التي لا شك فيها، تدافع -هذه المرة- عن قضية القانون الأخلاقي؟ فهل يخصص القرآن -حينئذ- جانبًا، ولو صغيرًا، للأخلاق السوقية، حتى ما كان منها -على هذا النحو- نقيًّا بريئًا؟
ولنتذكر هنا الفرق الذي ذكرناه في مستهل هذا الفصل، ما بين إخبار بوجوب استعمال العقل، وبين هدف مقترح للإرادة، ولسوف تكون لدينا فرصة التوسع في دراسة هذا الفرق في الفصل التالي.