في مجال كان من قبل محتلًّا بالعنصر الطبيعي، والحق أن هذا المثل الأعلى يسعى دائمًا إلى أن يكسب أرضًا، ويختلس فيها مكان شاغلها الأول. فهو لا يكف عن المطالبة بوجوب أن يكون سيد الضمير الأوحد، وأنه لا يريد أي اختلاط أو التباس به، ولكن أهذا ممكن؟ وهل له حق فيه؟ وهل يصل إليه؟ كل ذلك خارج عن المسألة التي تشغلنا الآن، أعني أنه على الرغم من كل شيء، فإن أمر الطبيعة، مستقلًّا عن نوايانا، يختلط غالبًا بقضايانا الأخلاقية، شئنا أو لم نشأ، وهو يقاومها، ويستخرج منها نتائج، لا تفتأ تمس أعماقنا قليلًا أو كثيرًا.
وتلكم هي الحقيقة الفعلية التي حرص القرآن على إبرازها بالأمثلة العديدة التي ذكرناها آنفًا، وكما يروى عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: "إن للحسنة لنورًا في القلب، وضياء في الوجه، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة لسوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الخلق"[1]. [1] ابن تيمية، منهاج السُّنة 1/ 269.
النتائج غير الطبيعية "أو الجزاء الإلهي":
بيد أن الجزاءات الطبيعية ليست شاملة وعامة، وليس بلازم أن نذهب إلى حد القول دون تحفظ مع فيكتور كوزان VICTOR COUSIN بأن: "الفضيلة والسعادة من جانب، والشقاء والرذيلة من جانب آخر، على توافق ضروري، لا في نظر الضمير فحسب، بل على مسرح الحياة والتاريخ، فليس هناك عمل، أو فكرة، أو رغبة، أو شعور مرذول، إلا وينال عقابه، آجلًا أو عاجلًا، وبطريقة مباشرة على الدوام تقريبًا، وبمعياره الدقيق، والعكس صحيح في