وأخيرًا: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا، لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [1].
وهذا النص الأخير -فضلًا عن ذلك- لا يقدم هذا الإحسان الموعود على أنه مكافأة، بل هو اختبار وفتنة.
ففي الحالات الشديدة الخطر يدفع المتمردون من حياتهم، لا من أموالهم، أما حالة الفساد العام فإن الله سبحانه يقابلها بتدمير الشعب كله وإهلاكه: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [2], {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [3]. وهذا طبعًا باستثناء أولئك الذين يبرهنون على إحسانهم وطاعتهم، فهؤلاء ينجيهم الله من وقع ضرباته: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} ... {كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَر} [4], {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين} 5.
وهكذا يستخدم القرآن بلا توقف تاريخ الأمم القديمة العاصية، حتى يكون لدى الظالمين الذين يخلفونهم على الأرض مثل أسلافهم، متمثلًا دائمًا في أذهانهم، ولا سيما الكافرين على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين لم يكونوا خيرًا ولا أشد قوة من الأقدمين: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} 6، [1] الجن: 16. [2] هود: 102. [3] الإسراء: 16. [4] القمر: 34 و35.
5الصافات: 80.
6 القمر: 43.