على أن هنالك بعض الملاحظات الجديرة بالذكر قبل أن ندع مقام السعداء:
أولًا: أن القرآن لا يكتفي بأن يعدد هذه المتع المختلفة: الأخلاقية والمادية، التي توجد في الجنة، فلقد أثبت أن بينها تدرجًا في القيم، بحيث إنه يحتفظ للأشياء الروحية بأعلى درجة، وهو يعلمنا أن بين جميع أشكال النعيم التي تقدمها السماء نعيمًا واحدًا لا يمكن تقدير قيمته، وهو رضا الله تبارك وتعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [1].
إن رحمة الله وفضله بصفة عامة هما بالنسبة إلى القرآن أثمن الأهداف، وأقدرها على تحقيق فرح الإنسان: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} ، {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [2].
وإذا كان المثل العربي يقول: "الجار قبل الدار" -أوَليست هذه الفكرة ذاتها هي التي يوحي إلينا بها القرآن عندما وجدناه -وهو يجمع بين نوعي السعادة التي وعدت بها الأنفس المطمئة- يسمح أولًا بدخولها العظيم في المجتمع الإلهي، ثم يرد ذكر الجنة بطريقة ثانوية، وفي المكان الأخير: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي} 3؟
ثانيًا: وإذا كانت ضرورة التحليل، وسهولة الإحصاء قد اضطرانا إلى أن نفرد العنصرين المكونين للحياة السعيدة، وأن نبني كلًّا منهما على حدة، فإن الأمر لا يجري على هذا النحو في النص، فليس في القرآن هذا الفصل المقصود، بل إن الصورة التي كوناها آنفًا لكل منهما لا توجد فيها، في أي [1] 9/ 72. [2] 10/ 58 و43/ 32.
3 89/ 29-30.