مكان، كاملة على هذا النحو، إنها فيه مجزأة، موزعة على سور كثيرة، بحيث لا نعثر في أغلب الأحيان، في كل مكان، إلا على بعض السطور القليلة، كأنما هي موجزة تذكر في أثناء الحديث.
ولهذا المسلك في نظرنا مدلول مزدوج:
إنه لا يحرص كثيرًا على أن يحدث في الروح هذا الأثر المضلل الناشئ عن صورة محدودة منتهية، لكي يكون بمنأى عن أن يثير الحس، أو يستنفد الفضول أو يشبعه. وإذا كان يلمس القلب فإنما يلمسه بحكمة واعتدال، ولكنه من ناحية أخرى لا يكشف لنا عن نفسه على أنه ثمرة علم بلغ هدفه منذ البداية، ولا على أنه ثمرة خيال جامح, كما افترضه بعضهم، لدى الإنسان الذي أبلغنا إياه، وإنما هو ثمرة تعليم منزه متدفق، يبدو مع ذلك أنه متصل بخطة توقيفية، لا تجارب فيها ولا تنقيحات.
ثالثًا: وأبرز ملامح السعادة الحسية، أعني: أكثرها ذكرًا، موجود -كما رأينا- في تلك الإشارة إلى جنة {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} . وكل منا استطاع أن يجرب تلك اللذة التي يثيرها منظر الماء الجاري حين ينظر إليه من عل، وزد على ذلك أن في هذا دون شك أنزه ما يلذ النظر وأطهره، والقرآن يومئ إلينا منه بمعنى أكثر عمقًا، وبسعادة أحلى مذاقًا، ليس هو مطلقًا ذلكم الموقف الذي يثير الأحلام، ويلهم الشعر، ولكنه واقع أخلاقي في جوهره، هو: نسيان كل حزن، وذهاب كل حقد من القلوب: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} [1].
رابعًا: أما فيما يتعلق بطعام الجنة اللذيذ، فإن التفسير يحدد بمقتضى تعبير الآية: {فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُون} أن ضيوف السماء سوف [1] الأعراف: 43.