من الخطأ، من حيث كانت خارج نطاق رسالته، وهو في ذلك يقول لصحابته ولأمته: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" [1] -وإنما أضاف إلى ذلك أنه ربما يقع في أخطاء، صغيرة أو كبيرة، حين يتعرض لموضوع من موضوعات رسالته الإلهية نفسها، أعني: النظام الأخلاقي، أو التشريعي، أو العبادي, ما لم يكن مؤيدًا بالوحي.
وهكذا وجدنا القرآن يعاتبه في مواقف كثيرة؛ لأنه رق لحال المشركين، فوقف منهم موقفًا يتسم بالرحمة، حيث كان ينبغي أن يكون أكثر تشددًا: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [2]. ويخاطبه في موقف آخر: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [3]. وفي موقف ثالث: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [4].
ومن أمثلة ذلك أيضًا موقفه في إحدى حالات السرقة التي رفعت إليه، على ما ورد في القرآن، فكاد يخدع في حكمه، ولولا مساعدة الوحي له لأدان البريء، وبرّأ المذنب، وفي ذلك يقول القرآن: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} 5 [1] مسلم, السابق. [2] الأنفال: 67. [3] التوبة: 43. [4] التوبة 113.
5 النساء: آيات 106-113، وقد ذكر الواحدي في أسباب النزول - 120 مناسبة نزول هذه الآيات، وذلك أن رجلًا من الأنصار يقال له: طعمة بن أبيرق، أحد بني ظفر بن الحارث سرق درعًا من جار له يقال له: قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب، حتى انتهى إلى الدار، وفيها أثر الدقيق، ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له: زيد بن السمين، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده، وحلف لهم: والله ما أخذها وما له به من علم، فقال أصحاب الدرع: بلى, والله قد أولج علينا فأخذها، وطلبنا أثره حتى دخل داره فرأينا أثر الدقيق، فلما أن حلف تركوه، واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي فأخذوه، فقال: دفعها إليّ طعمة بن أبيرق، وشهد له أناس من اليهود على ذلك. فقالت بنو ظفر، وهم قوم طعمة: انطلقوا بنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فكلموه في ذلك، فسألوه أن يجادل عن صاحبهم، وقالوا: إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح، وبرئ اليهودي، فهمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يفعل، وكان هواه معهم، وأن يعاقب اليهودي، حتى أنزل الله تعالى الآيات. اهـ. "المعرب".