والمشكلة التي أثارت اختلاف المذاهب في هذه النقطة كانت فقط هي: أيجب أن نأخذ أمر العقل أمرًا نهائيًّا؟ وهل هو يتفق دائمًا، أينما كان، مع واقع الأشياء؟ وهل هو يتوافق بخاصة مع العقل الإلهي؟
فأما أن الضمير مزود -بطريقة كافية- بسلطة لتأكيد مسئوليتنا أمام أنفسنا، فأمر لا يماري فيه أحد، ولكن هل لديه من هذه السلطة ما يكفي لإثبات مسئوليتنا أمام الله؟
على هذه المسألة المحددة دار النقاش.
وعلى هذا، أليس واضحًا ما يحدث لنا غالبًا من أن تُعْمِيَ العاداتُ ضميرنا، أو تضلله الأوهام، أو تتسلط عليه المنفعة، وأن تتحدث إلينا العاطفة أحيانًا متخفية في ثوب العقل، ومتقلدة بلغته؟ ... بل إننا قد نميل إلى القول بأن العقل في هذه الحالات هو الذي يتحدث إلينا، لكنه عقل ساقط فاسد؛ لكثرة ما سخر نفسه لخدمة الغريزة البهيمية، فإذا ما بلغ هذا الحد من الضلال فإنه يزعم أن دوره الرئيسي أن يكشف عن وسائل إشباع منافعنا العاجلة، وأن يحاول إنجاحها.
ولكن عجبًا!! إننا حين يتعارض العقل والمشاعر على نحو سافر، وذلك ما يحدث في أكثر الحالات، نسلم بانتظام للعقل بحقه في السيطرة على المشاعر، فهل نحن بهذا في موقف محايد؟
وحين يستأثر العقل في زهو بسلطة حسم النقاش ألا يجعل من نفسه بذلك حكمًا وخصمًا في آن؟
فإذا ما أمضينا هذا الاستدلال إلى غايته حق لنا أن نتساءل عما إذا كان خالق هذه الفطرة البالغة التنوع يرضى فعلًا أن يضحي بالجانب الأكبر والأقدم من صنعه، في سبيل آخر قادم، ما الذي يدل في الواقع على أن الله قد أمر بهذه التضحية؟