إن أكثر ما نملك هو أن نتطلب لأخلاق محضة جزاء أخلاقيًّا لا غير، وبذلك يمكن أن ننكر على هذه الأخلاق أن تكون مختلطة. وربما كان هذا الجهاز المادي للثواب والعقاب الأخروي -على الرغم من أنه ليس الوحيد في المواجهة- من الأمور التي نود ألا تكون، حتى نرد إلى الجزاء الإلهي قيمته الكبرى.
ولنلاحظ أولًا أن هذا المفهوم عن الجزاء الأخروي، وهو مفهوم مادي جزئيًّا، ليس إسلامي النوع؛ فهو يعتبر عنصرًا مشتركًا بين جميع الأخلاق الدينية، التي تعترف للناس بحياة أخرى، سوف يجتمع فيها البدن والروح من جديد، بعد أن يكونا قد انفصلا مؤقتًا بالموت، يجتمعان ليلتقيا معًا ثوابًا خالدًا، أو عقابًا أبديًّا.
ولا ريب أن هذه هي حال الأخلاق المسيحية، فلقد أجمع الآباء، وفقهاء الكنيسة على أن يعلموا عقيدة بعث الجسد، وعقيدة اشتراكه مع الروح في الجزاء[1]، وهما عقيدتان قائمتان على أساس متين من تعليم السيد المسيح والدعاة، فقد قال يسوع لحوارييه: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم"[2]. وقال أيضًا: "يرسل ابن الإنسان ملائكته، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان"[3].
وكثيرًا ما صورت جهنم على أنها "النار التي لا تطفأ، حيث دودهم لا [1] انظر: A. boulanger; Doctrine Catholique, lere part P. 231-233. [2] إنجيل متى 10/ 28. [3] المرجع السابق 13/ 43.