والآلام البدنية والأخلاقية، أتصلح بحسبانها شيئًا ذا قيمة كبيرة؟ ألا يتمثل سبب وجودها، في جانب كبير منه، في أنها تعرفنا بأوليات هذه الحياة الجديدة، وتقدمها إلينا على سبيل الإيجاز، والتشويق؟
إني لأعرف التأويل الذي أمكن أن يوضع لكلمات المسيح، إنهم لكي يتقوا هجمات العقليين، وهم في الوقت نفسه يسلمون نصًّا بما أعد للمعذبين من آلام بدنية بالغة القسوة, يريدون أن يعتبروا النصوص الإنجيلية المتعلقة بالمائدة الطيبة التي أعلنت للسعداء من قبيل الرموز، على حين لا مجال هنا، ولا أثر لأي مقارنة. فهذه النصوص قد تناولها المسيحيون الأوائل تناولًا حرفيًّا، كما كان يفعل آباء الكنيسة السريانية[1]، وكما يفعله حتى الآن البروتستانت في القدس الجديدة[2].
وإني لأعرف أيضًا أن هذا التأويل يمكن أن نواجهه عند نظرنا في النصوص القرآنية، بل وربما كان على جانب أكبر من الصواب؛ لأن هذا التعليم يجيء في مواضع كثيرة على أنه "مثل" أو رمز "مثل الجنة ... "[3].
بيد أنه، على الرغم من أن كلمة "مثل" تعني "الوصف"، كما تعني "المقارنة" فمن الصعب أمام كثرة الآيات الأخرى التي لا تظهر فيها هذه الكلمة -أن نعريها من معناها الحقيقي، وأن نتناولها على أنها مجرد رموز. ولا ريب أن القرآن -فيما يبدو- يؤكد لنا أن ملذات الجنة ذات شبه بأحوال الأرض وأشيائها، دون أن يكون بينهما تماثل جوهري؛ {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [4]، وقد استطاع ابن عباس أن يقول: إنها ليس لها منها [1] انظر: T. Andrae. Mohammed, Sa vie et sa Doctrine p. 87. [2] انظر: Tassy, les lois de Mohomet, P. 132. [3] 13/ 35 و47/ 15. [4] 2/ 25.