سوى الاسم. ولكن، إلى أي حد سيكونان متمايزين؟ أهو تمايز المعقول من المحسوس؟ أم أن أشياء الجنة سوف تحتفظ ببعض التماثل الطبيعي مع أشياء الأرض؟
ومع ذلك، إذا لم يكن الجسد المبعوث سيتقاسم مع النفس كل متعها المشروعة ألا يكون بعثه عبثًا، والجزاء على كل حال ناقصًا؟
ذلك أنه على حين أن الجزاء القانوني والجزاء الأخلاقي، بطبيعتهما، لا يؤثر كل منهما مباشرة إلا على عنصر مختلف من الشخص "الحاسة، أو الضمير" -فإن ما يميز الجزاء الإلهي هو أنه يجب أن يكون كليًّا وكاملًا، فطبيعة هذا الجزاء المركبة ليست عيبًا، ولكنها فيما يبدو لنا بعكس ذلك، شرط في كماله، من حيث هي متفقة مع تركيب الطبيعة الإنسانية، على النحو الذي نعرفه اليوم، ويبدو أن هذه الطبيعة ستظل -إلى أن يثبت العكس- محتفظة بهويتها هذه, أعني: بهذا الارتباط الوثيق بين الجانب البدني، والجانب الأخلاقي.
وهكذا نرى الآن رحابة الفكرة القرآنية عن الجزاء. إنها ليست نزعات خاصة لإنسان، ولا آراء شخصية لفيلسوف ولا رأيًا شائعًا في عصر، أي عصر، سواء أكان معاصرًا للإسلام، أم سابقًا عليه، أم لاحقًا به، ليس ذلك كله هو ما تعبر عنه هذه النظرية، إذ إنها لما كانت شاملة بفضل غايتها أرادت أن تكون كذلك شاملة بفضل منهجها، ومن ثم فإن ما تركه الحكماء الأقدمون منذ سقراط وإيبيكتيت epictete، وما كتبه فلاسفة العصر الحديث حتى "كانت" و"ميل" وما جاء به القديسون، والأنبياء، منذ بدء الزمن، حتى موسى وعيسى -كل مذهب من هذه المذاهب لا بد أن يجد في النظرية القرآنية إحدى الصيغ التي يوافق عليها.
وما ذلك إلا لأنها تستهدف النفس الإنسانية بكل قواها وفي كل أعماقها، ولأنها تدعو جميع الناس، في جميع الطبقات، ومن جميع درجات العقل.