وُجد اتفاق مشترك فلن يكون هنالك مقتض للجوء إلى أي معيار آخر، لإقرار العدالة، فيما يواجه أولي الأمر من ظروف.
فإذا ما رجعنا إلى الوثائق التي ترويها السُّنة فسوف نرى أن هذا الامتياز غير مقتصر مطلقًا على عصر الصحابة، على ما قد يفهم من هذه النصوص القرآنية، ولكنه ممتد بلا نهاية إلى جميع الأجيال المسلمة.
وحسبنا هنا أن نذكر نصًّا منها، معترفًا بصحته، وهو غاية في الصراحة في هذا الصدد، قوله, صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" وفي رواية: "حتى تقوم الساعة" [1].
وإذا كانت عصبة الحق لا تزال باقية في العالم الإسلامي فإن فكرة الاتفاق الإجماعي على الضلالة سوف تكون إذن مستبعدة، على أنها أمر محال من الوجهة العملية في العالم الإسلامي.
فقد انتهى الرأي إلى اعتبار الإجماع في أي عصر سلطة عليا لا معقب لها، وهي تستطيع أن تحكم على نصوص القرآن والحديث ذاتها، ولا يمكن أن تحكم بهما، ولا أن تبطل برأي آخر، سابق أو لاحق. وعامة المسلمين يخضعون في الواقع لهذه السلطة دون مناقشة، اللهم فيما خلا بعض الخوارج والمعتزلة والشيعة.
ولكن، كيف نوفق بين موقف كهذا وبين الخضوع المطلق، والولاء العميق الذي يضمره المسلم لله، ولكتابه، ولرسوله الذي هو المبلغ عن الله، [1] البخاري, كتاب الاعتصام, باب 10. وقد فسر البخاري هذا الحديث ذاهبًا إلى أن الطائفة المذكورة في النص "هم أهل العلم".