والمبين لكتابه؟ وكيف يمكن أن يكون هذا الموقف بخاصة متوافقًا مع منطق الإسلام، الذي يبغض أشد البغض كل انقياد أعمى، ولا يفتأ يمجد العقل، والرأي الناضج، حتى في عقائده الأساسية؟
من هنا نفهم إلى أي حد أثارت هذه النظرية رجلًا من العقليين، هو النَّظَّام، فدفعته إلى أن يعلن أن: "الإجماع عبارة عن كل قول قامت حجته، وإن كان قول واحد"[1]، ولا قيمة لإجماع لا يقوم على حجة.
فإذا تأملنا من قريب رأي النظام فسوف نجد أنه لم يكن مصيبًا مطلقًا، ولا مخطئًا مطلقًا، فهو محق لأنه يدافع عن مبدأ سام اعترف به القرآن، ولكنه أخطأ حين اعتقد أنه كشف عن شرط أولي جهله كل الناس قبله.
فلا بد إذن من إيضاح لتحديد هذا الإجماع، الذي يمكن أن يعتمد عليه المسلم، كسلطة تشريعية مؤكدة، ومعتمدة عند القضاء.
فكلمة "إجماع" تترجم عمومًا بكلمة consensus [2], consensus، ominium، وهي ترجمة غير كاملة تمامًا والواقع أنه لا يجب أن نتصور هذا الاتفاق على طريقة تصويت شامل، ناشئ عن استفتاء مفروض على شعب بأكمله، أو على جميع الشعوب الإسلامية، بحيث يشترك فيه أجهل الناس وغير المختصين، على قدم المساواة مع أعلم الناس. كما لا يجب أن نتمثل المجموعة المقترعة على هيئة مجمع ديني، أو جمعية عامة، أعضاؤها منتخبون أو معينون، تجتمع تحت سقف واحد لمناقشة بعض المسائل العقيدية، أو الاقتصادية، أو السياسية، فالإجماع لا يشبه شيئًا من هذه المنظمات الغربية، لا في شكله، ولا في موضوعه. [1] انظر: الغزالي في المستصفى 1/ 173. [2] كلمة لاتينية معناها: الاتفاق بين عدة أشخاص، أو عدة هيئات. "المعرب".