أما من ناحية الموضوع فإن دور الإجماع هو حسم مشكلة جديدة1, ذات طابع أخلاقي أو فقهي، أو عبادي، دون أن يكون من شأنه أن ينظر في مسائل الحياة التطبيقية، أو في مسائل الدين النظرية.
فأما الحياة المادية فلأن أي نص لا يعصمنا من أن نرتكب خطأ يتوقع أن يحدث في أي قرار مشترك بهذا الصدد، وأما المسألة الاعتقادية فلسبب يختلف عن هذا، والواقع أنه إذا كان احتمال خطأ الأمة بأسرها في موضوع ديني، ذي طابع عملي -أمرًا ينبغي أن يستبعد من الافتراض، فمن الأولى أن يستبعد ذلك فيما يتعلق بموضوع الإيمان. وغاية الأمر أن يقال: إن الرجوع إلى الإجماع في هذا المجال لا تلتقي عنده بالرضى كل المشاعر والقلوب[2].
وإذا كان بعضهم قد أجازه في المسائل الثانوية، فإن أحدًا لم يوافق عليه فيما يتصل بالعقائد الأساسية، فليس لمسلم الحق مطلقًا في أن يلجأ إلى سلطة الآخرين ليؤسس إيمانه، فإن بناء الدين على أساس لا يوضع إلا بوساطة الدين نفسه هو أشبه بالدوران في حلقة مفرغة.
وأما من حيث الشروط التي ينبغي أن يتم بها التصويت لإنشاء سلطة تشريعية قطعية الأحكام -فإن القاعدة الثابتة تبدي إلحاحًا شديدًا على جوهر الموضوع، وإن ظلت غير عابئة مطلقًا بالشكل الخارجي، الذي
1- نقول: "جديدة"؛ لأنه إذا كانت المشكلة قد درست من قبل فلذلك حالتان: أن تكون المناقشة قد انتهت إلى اتفاق أو اختلاف, ففي حالة الاتفاق لا تكون إعادة دراستها عديمة الجدوى فحسب، بل ينبغي ألا يكون لها موضع, وهي أشبه بما إذا كانت المشكلة قد حلت بوساطة الوحي المباشر، وفي حالة الاختلاف سوف يكون لحصول على اتفاق لاحق بعض الفائدة بلا شك، ولكنه لن ينشئ إجماعًا مؤكدًا وحاسمًا؛ لأن الرأي -تبعًا لكثير من الأصوليين- لا يموت بموت أصحابه, وبذلك لن يكون الاتفاق إجماعيًّا. [2] انظر: ابن عبد الشكور في "مسلم الثبوت" 2/ 246 هامش المستصفى.