لا علاقة لها بالحياة الاجتماعية، وهي أفعال قد يقنع القانون فيها، سواء بالتعبير المادي عن الواجب في غيبة واقعه النفسي، أو بمجرد حضور هذا الواقع النفسي، دون أن يتطلب منه واقعًا أخلاقيًّا, وهو الواقع الذي تؤلف فكرة الواجب فيه جزءًا جوهريًّا من العمل الشعوري المقبول بحرية تامة. إن أفعالًا كهذه لا ينبغي أن توجد من حيث المبدأ:
أولًا: لأن القرآن يتطلب منا الشعور النفسي، وحضور الذهن فيما نقول، وفيما نفعل، وذلك حين يمنعنا من أن نتصور أداء واجباتنا المقدسة ونحن في حال شرود، أو إغماء، أو سكر: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [1].
ثم هو يتطلب منا بعد ذلك الضمير الأخلاقي، بالمفهوم الأسمى لهذه الكلمة: رضا القلب، وتلقائية الفعل، والسرور، والهمة التي يؤدى بها الواجب. تلكم هي الصفات التي تجعل أعمالنا مقبولة عند الله. وهذا هو السبب فيما أعلنه القرآن من أن أولئك الذي يقدمون بعض الصدقات، أو بعض شعائر التقوى، كسالى مرغمين -لن تقبل أعمالهم عند الله أبدًا: {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [2]. وهو أيضًا السبب في أنه وصف هؤلاء الناس الذين لا إيمان لهم، ولا شجاعة عندهم، والذين يتظاهرون جبنًا بالإيمان المنافق، عن خوف، لا عن اقتناع -وصفهم بأنهم ليسوا مطلقًا في عداد المؤمنين: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُون} [3].
والشرط الصريح للأخلاقية "وللإيمان ذاته" يتمثل، كما حدث القرآن، [1] النساء: 43. [2] التوبة: 54. [3] التوبة: 56.