في أن يقبل المرء مختارًا جميع أوامر الشريعة، وأن يخضع نفسه لها كلية، لدرجة ألا يجد شيئًا يتردد في نفسه {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [1].
بيد أننا لكي نقدم للقارئ قولة عامة تلخص وتستوعب بلا حدود هذه الأمثلة القرآنية -لا نجد خيرًا من أن نذكر تلك القولة المحمدية التي جعلها البخاري في صدر صحيحه من الحديث الشريف: "إنما الأعمال بالنيات"، وهذه القولة التي يتجرمونها عادة بمعنى: "إن الأعمال لا قيمة لها إلا بنواياها"، -هي في الواقع أكثر مضمونًا ووضوحًا من ترجمتها؛ إنها تقول بالحرف: "إن الأعمال لا توجد "أخلاقيًّا" إلا بالنوايا".
ومع ذلك فقد توجد بعض الواجبات الفردية، وبتعبير أدق: بعض الشعائر الدينية، تغاضى الفقهاء المسلمون بشأنها عن غيبة النية، وهو موقف عام لهم، إن لم يكن إجماعًا بينهم. ومثال ذلك حالة الاستبراء والتطهر، وسائر مقدمات الصلاة، فمن المعروف أن على كل مسلم إذا أراد أداء الصلاة أن يمر قبلها بنوع من مرحلة الانتقال، وهو الانتقال من العالم المدنس للحياة الأرضية، إلى العالم المقدس للحياة الروحية، فيجب أولًا أن يزيل النجاسات والوساخات من مكان عبادته، كما يزيلها من بدنه، وملابسه، وهي الملابس التي ينبغي أن تكون ذات هيئة محتشمة. ويجب فضلًا عن ذلك أن يقوم، تبعًا للحالة، بتوضؤ جزئي "فيغسل الوجه, واليدين, والقدمين, ويمسح شعره", أو بتوضؤ كلي "بأن يغتسل اغتسالًا كاملًا". ويجب أخيرًا [1] النساء: 65.