أن يولي وجهه شطر الكعبة[1] في مكة، وأن يظل على هذا الوضع طوال الصلاة.
وإذن، فقد انعقد الإجماع تقريبًا، فيما يتعلق بالتوجه، واللباس، والنظافة الطبيعية -على أنه لا يلزم أن يكون أداؤها عن نية وإرادة، أما فيما يتعلق بالنظافة الدينية المحضة "الوضوء والغسل"، فقد اختلفت المذاهب: فعلى حين تشترط لها مذاهب أهل الحجاز ومصر "المالكية، والشافعية والحنابلة" -وجود النية، على أساس أنها واجب بالنظر إلى الصلاة، يكتفي مذهب أهل العراق "الحنفي" بالواقع الموضوعي، متى التزم في دقة، حتى لو كان عن غير نية.
وقد ثار خلاف كهذا حول الوقوف على جبل عرفات، أثناء أداء الحج بمكة.
فكيف إذن نفسر هذه الاستثناءات التي تؤدي إلى تقويض المبدأ العام، مبدأ النية، الذي أعلن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه لازم لا ينفصل عن كل نشاط أخلاقي؟
حاول أتباع الفقه العراقي لذلك تفسيرين، فبدءوا بتبني التأويل الشائع للحديث عن النية، وأن بطلان العمل غير المصحوب بالنية هو وجه من وجوه الكلام فحسب، فالنية شرط ضروري، لا لوجود العمل الأخلاقي في ذاته، أي: صحته، بل لكماله، واستيفائه قيمته الكاملة. وهكذا يقررون مع خصومهم في الرأي أن الواجب الذي لا يؤدى بحضورالقلب، بل باعتباره أمرًا -لن تكون له قيمة إيجابية، ولن يستوجب أية مكافأة، ولكنهم [1] أكد القرآن أنها أقدم مكان للعبادة وجد على الأرض {أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاس} [آل عمران: 96] .