شر يريد منعه، أو مشهد خير يرجو صنعه -سوف يكون مؤلمًا، بقدر ما كان اهتمامه بتحقيق مثله الأعلى عظيمًا، وبقدر ما كانت الحفاوة التي أعدها له حارة.
ماذا يمكن أن يقال غير أن الضمير الأخلاقي في هذه الظروف يعتبر أن مهمته لما تنته؟
ومهما يكن عدلًا ذلك العفو الذي يمنحه إياه مشاهد محايد، يراعي القدرة المحدودة للطبيعة الإنسانية، فإن الأسى الذي يشعر به الإنسان في دخيلة نفسه هو وثيقة اتهام ضد ذاته. إن ذلك يعني في نظره أن الجهد الذي بذله ما زالت فيه نقائص، وكأنما كان بوسعه أن يبذل أقصى جهده كيما يبلغ هدفه.
ولكن مهما يكن الافتراض، وحتى في الحالة التي ينبغي فيها أن نعذر الإرادة الطيبة المعوقة -هل يكون لنا الحق في أن نرى في هذه الحالة العاجزة نموذج العمل الأخلاقي الكامل؟
الحق أنه يجب علينا من وجهة نظر حق العفو أن نثبت فرقًا في الدرجة بين ضرورة العنصر الباطني، وضرورة التعبير المادي عنه، ذلك أن رضا الإرادة شرط لازم للأخلاقية، بحيث إن أقل تمرد باطني يكفي، لا لينزع عن أصح الأعمال كل قيمة فحسب، بل ليجعله إجراميًّا. فتلك ضرورة مطلقة وباطنة، على حين أن عدم التنفيذ، أو عدم المطابقة الظاهرية، على الرغم من أنهما يبتران العمل الأخلاقي، وينتقصان الفعل الذي تم بحسن نية، فإنهما لا يدينانه إلا حين تكون هنالك استحالة مادية، أو جهالة لا تدفع، وحينئذ يمكن أن يطلق عليها: ضرورة كمال مطلقة، أو ضرورة شرطية لاستكمال مطلب الأخلاق.